للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليسا اسمين شرعيين لم يُعرفا إلا بالشريعة، بل هما اسمان لغويان، ردَّ الشارعُ أمته فيهما إلى ما يتعارفه النساء حيضًا [١٧٧/ب] ونفاسًا، قليلًا كان أو كثيرًا. وقد ذكرتم هذا بعينه في النفاس، فما الذي فرَّق بينه وبين الحيض؟ ولم يأتِ عن الله ولا عن رسوله ولا عن الصحابة تحديدُ أقلِّ الحيض بحدٍّ أبدًا، ولا في القياس ما يقتضيه.

والعجب أنكم قلتم: المرجع فيه إلى الوجود (١) حيث لم يحُدَّه الشارع، ثم ناقضتم فقلتم: حدُّ أقلِّه يوم وليلة. وأما أصحاب الثلاث فإنما اعتمدوا على حديثٍ (٢) توهَّموه صحيحًا، وهو غير صحيح باتفاق أهل الحديث، فهم أعذر من وجه.

قال المفرِّقون: بل فرَّقنا بينهما بالقياس الصحيح، فإنَّ للنفاس علَمًا ظاهرًا يدل على خروجه من الرحم وهو تقدُّم الولد عليه، فاستوى قليله وكثيره، لوجود عَلَمِه الدالِّ عليه. وليس مع الحيض علَمٌ يدل على خروجه من الرحم، فإذا امتدَّ زمنه صار امتداده علَمًا ودليلًا على أنه حيض معتاد، وإذا لم يمتدَّ لم يكن معنا ما يدل عليه أنه حيض، فصار كدم الرعاف.


(١) ح، ف: «الوجوب»، تصحيف.
(٢) رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (٧٥٨٦)، وفي «الأوسط» (٥٩٩)، وفي «مسند الشاميين» (١٥١٥، ٣٤٢٠)، والدارقطني في «السنن» (٨٤٥، ٨٤٦) من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه - مرفوعًا. ورواه الدارقطني (٨٤٧) من حديث واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه - مرفوعًا. وضعّف الدارقطني الحديثيْن كليْهما.
وللحديث طرق كثيرة لا يصح منها شيء، بل كلّها واهية. ويُنظر: «معرفة السنن والآثار» للبيهقي (١/ ٣٨٣ - ٣٨٤)، و «الإمام» لابن دقيق العيد (٣/ ٢٠٢ - ٢١٠، ٢١٣ - ٢١٤)، و «تنقيح التحقيق» لابن عبد الهادي (١/ ٤٠٨ - ٤١٣).