للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدها: أن ما لا تتناهى أفراده لا يمتنع أن يجعل أنواعًا، فيُحكَم لكلِّ نوع منها بحكم واحد، فتدخل الأفراد التي [٢٠١/أ] لا تتناهى تحت ذلك النوع.

الثاني: أن أنواع الأفعال، بل والأعراض، كلُّها متناهية.

الثالث: أنه لو قُدِّر عدمُ تناهيها، فأفعالُ (١) العباد الموجودة إلى يوم القيامة متناهية. وهذا كما تجعل الأقارب نوعين: نوعًا مباحًا، وهو بنات العمِّ والعمَّة وبنات الخال والخالة، وما سوى ذلك حرام. وكذلك يجعل ما ينقض الوضوء محصورًا، وما سوى ذلك لا ينقضه. وكذلك ما يُفسد الصوم، وما يوجب الغسل، وما يوجب العدَّة، وما يُمنَع منه المُحرِم، وأمثال ذلك. وإذا كان أرباب المذاهب يضبطون مذاهبهم، ويحصرونها بجوامع تحيط بما يحِلّ ويحرُم عندهم، مع قصور بيانهم= فالله ورسوله المبعوث بجوامع الكلم أقدَرُ على ذلك، فإنه - صلى الله عليه وسلم - يأتي بالكلمة الجامعة، وهي قاعدة عامة وقضية كلّية تجمع أنواعًا وأفرادًا، وتدل دلالتين: دلالةَ طرد، ودلالةَ عكس.

وهذا كما سئل - صلى الله عليه وسلم - عن أنواع من الأشربة كالبِتْع والمِزْر (٢)، وكان قد أوتي جوامع الكلم، فقال: «كلُّ مسكِر حرام» (٣). و «كلُّ عمل ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ» (٤). و «كلُّ قرضٍ جَرَّ نفعًا فهو ربا» (٥). و «كلُّ شرطٍ ليس في


(١) في النسخ المطبوعة: «فإن أفعال».
(٢) البِتْع: ما اشتدَّ من نبيذ العسل. والمِزْر: ما اشتدَّ من نبيذ الذرة والشعير. وقد فسَّرهما أبو موسى الأشعري في حديث «الصحيحين»، وسيأتي.
(٣) تقدَّم تخريجه.
(٤) تقدَّم تخريجه.
(٥) رواه أبو الجهم العلاء بن موسى الباهلي في «جزئه» (٩٢ - تخريج أبي القاسم البغوي)، والحارث بن محمد بن أبي أسامة في «المسند» (٤٣٧ - بغية الباحث) للهيثمي، من حديث علي - رضي الله عنه - مرفوعًا. وآفتُه سوار بن مصعب، وهو واهٍ متروكٌ. ويُنظر: «تنقيح التحقيق» لابن عبد الهادي (٤/ ١٠٨).