للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المنحرفتين عن الوسط. فينكر قولَ المعتزلة المكذِّبين بالقدر، وقولَ الجهمية المنكِرين للحِكَم والأسباب والرحمة. فلا يرضَون لأنفسهم بقول القدرية المجوسية، ولا بقول القدرية الجبرية نُفاةِ الحكمة والرحمة والتعليل. وعامّةُ البدع الحادثة (١) في أصول الدين من قول هاتين الطائفتين الجهمية والقدرية.

والجهمية رؤوس الجبرية. وأئمتهم أنكروا حكمة الله ورحمته، وإن أقرُّوا بلفظ مجرَّد فارغ عن حقيقة الحكمة والرحمة. والقدرية النُّفاة أنكروا كمال قدرته ومشيئته. فأولئك أثبتوا نوعًا من المُلك بلا حمد، وهؤلاء أثبتوا نوعًا من الحمد بلا مُلك. فأنكر أولئك عمومَ حمده، وأنكر هؤلاء عمومَ ملكه. وأثبت له الرسلُ وأتباعُهم عمومَ الملك وعمومَ الحمد، كما أثبته لنفسه. فله كمال الملك، وكمال الحمد. فلا يخرج عين ولا فعل عن قدرته ومشيئته وملكه، وله في كلِّ ذلك حكمة وغاية مطلوبة يستحِقُّ عليها الحمد. وهو في عموم قدرته ومشيئته [٢٠٣/ب] وملكه على صراط مستقيم، وهو حمدُه الذي يتصرَّف في ملكه به ولأجله.

والمقصود: أنهم كما انقسموا إلى ثلاثِ فِرَق في هذا الأصل، انقسموا في فرعه ــ وهو القياس ــ إلى ثلاثِ فِرَق: فرقة أنكرته بالكلية، وفرقة قالت به وأنكرت الحِكَم والتعليل والمناسبات (٢). والفرقتان أخْلَت (٣) النصوصَ


(١) ع: «المحدثة»، وكذا في النسخ المطبوعة. وفي «جامع المسائل» (٢/ ٢٧٨) كما أثبت من النسخ.
(٢) ع: «والأسباب»، وكذا في المطبوع.
(٣) كذا في النسخ الخطية والمطبوعة بالإفراد بدلًا من «أخْلَتا». وانظر ما يأتي في (٢/ ٥١٦).