للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما معارضتها بما ذكرتم، فليس بحمد الله بينها وبينه تعارض. وهذا إنما يُعرَف بعد معرفة المراد بكتاب الله في قوله: «ما كان من شرط ليس في كتاب الله». ومعلوم أنه ليس المراد به القرآن قطعًا، فإن أكثر الشروط الصحيحة ليست في القرآن، بل عُلِمت من السنة. فعُلِم أن المراد بكتاب الله حكمه، كقوله: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [النساء: ٢٤]، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كتابُ الله: القصاص» (١) في كسر السِّنِّ. فكتابه سبحانه يطلق على كلامه، وعلى حكمه الذي حكَم به على لسان رسوله. ومعلوم أن كلَّ شرط ليس في حكم الله فهو مخالف له، فيكون باطلًا. فإذا كان الله ورسوله قد حكم بأن الوَلاء [٢١١/أ] للمُعتِق، فشُرِط خلافُ ذلك كان (٢) شرطًا مخالفًا لحكم الله. ولكن أين في هذا أن ما سكت عن تحريمه من العقود والشروط يكون باطلًا حرامًا؟ (٣) وتعدِّي حدود الله هو تحريم ما أحلَّه الله، أو إباحة ما حرَّمه، أو إسقاط ما أوجبه؛ لا إباحة ما سكت عنه وعفا عنه. بل تحريمه هو نفس تعدِّي حدوده.

وأما ما ذكرتم من تضمُّن الشرط لأحد تلك الأمور الأربعة، ففاتكم قسم خامس، وهو الحقُّ، وهو ما أباح الله سبحانه للمكلَّف تنويعَ أحكامه بالأسباب التي ملَّكه إياها، فيباشر من الأسباب ما يُحِلُّه له بعد أن كان حرامًا عليه، أو يحرِّمه عليه بعد أن كان حلالًا له، أو يوجبه بعد أن لم يكن واجبًا، أو يُسقطه بعد وجوبه. وليس في ذلك تغيير لأحكامه، بل كلُّ ذلك من أحكامه سبحانه. فهو الذي أحلَّ وحرَّم، وأوجب وأسقط؛ وإنما إلى


(١) أخرجه البخاري (٢٧٠٣) من حديث أنس - رضي الله عنه -.
(٢) في النسخ المطبوعة: «يكون»، كأن بعضهم قرأ: «فشرطُ خلافِ ذلك»، فغيَّر الفعل.
(٣) زِيد في المطبوع بعده بين حاصرتين: «وتعدِّيًا لحدوده».