للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن هذا الجزاء إنما هو في الآخرة، وأنه لا يسلَم أحد من عمل السوء؛ وبيَّن أن هذا الجزاء قد يكون في الدنيا بالهمِّ والحزن والمرض والنَّصَب (١)، وغير ذلك من مصائبها. وليس في اللفظ تقييد الجزاء بيوم القيامة.

وأنكر على من فهم من قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: ٨٢] أنه ظلم النفس بالمعاصي، وبيَّن أنه الشرك، وذكر قول لقمان لابنه: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (٢) [لقمان: ١٣]، مع أن سياق اللفظ عند إعطائه حقَّه من التأمل يبيِّن ذلك، فإن الله سبحانه لم يقل: ولم يظلموا أنفسهم، بل قال: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}. ولبسُ الشيء بالشيء: تغطيته به وإحاطته به من جميع جهاته، ولا يغطِّي الإيمانَ ويحيط به ويلبسه إلا الكفر. ومن هذا: قوله تعالى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: ٨١] [٢١٣/ب] فإن الخطيئة لا تحيط بالمؤمن أبدًا، فإن إيمانه يمنعه من إحاطة الخطيئة به. ومع أن سياق قوله: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ


(١) رواه أحمد (٦٨) من طريق أبي بكر بن أبي زهير الثقفي، عن أبي بكر الصدِّيق - رضي الله عنه - مرفوعا، وابن أبي زهير هذا مستور الحال، ولم يسمع من الصدِّيق. ومع ذلك ساق ابن حبان حديثَه هذا في «المسند الصحيح» (٥٧٠، ٤٤١٣)، وصححه أيضًا الحاكم (٣/ ٧٤ - ٧٥). وأورده الضياء المقدسي في «الأحاديث المختارة» (١/ ١٥٩ - ١٦١)، لكنه أشار إلى انقطاع سنده.
(٢) أخرجه البخاري (٣٢) ومسلم (١٢٤) من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -.