للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فابنُ ابنِ ابنِ الأخ يقدَّم على العم القريب، وابنُ ابنِ ابنِ العم وإن نزل يقدَّم على عمِّ الأب. وهذا مما يبيِّن أن الجنس الواحد يقوم أقصاه مقام أدناه، ويقدَّم الأقصى على من يقدَّم عليه الأدنى. فيقدَّم ابنُ ابنِ الابن على من يقدَّم عليه الابن، وابنُ ابن الأخ على من يقدَّم عليه الأخ، وابنُ ابن العم على من يقدَّم عليه العم؛ فما بال أبي الأب وحده خرج من هذه القاعدة، ولم يقدَّم على من يقدَّم عليه الأب؟

وبهذا يظهر بطلان تمثيل الأخ والجدّ بالشجرة التي خرج منها غصنان، والنهر الذي خرج منه ساقيتان. فإن القرابة التي من جنس واحد أقوى من القرابة المركَّبة من جنسين. وهذه القرابة البسيطة مقدَّمة على تلك المركَّبة، بالكتاب والسنة والإجماع والاعتبار الصحيح. ثم قياسُ القرابة على القرابة، والأحكامِ الشرعية على مثلها= أولى من قياس قرابة الآدميين على الأشجار والأنهار، مما ليس في الأصل حكم شرعي (١). ثم نقول: بل النهر الأعلى أولى بالجدول من الجدول الذي (٢) اشتُقَّ منه، وأصلُ الشجرة أولى بغصنها من الغصن الآخر، فإنَّ هذا صنوه ونظيره الذي لا يحتاج إليه، وذاك [٢٣٠/ب] أصله وحامله الذي يحتاج إليه، واحتياج الشيء إلى أصله أقوى من احتياجه إلى نظيره، فأصله أولى به من نظيره.

يوضِّحه الوجه العاشر (٣): أن هذا القياس لو كان صحيحًا لوجب طرده، ولما انتقض. فإنَّ طرده تقديم الإخوة على الجد، فلما اتفق


(١) كذا بالرفع في النسخ. والعائد على الموصول محذوف، يعني: مما ليس فيه ...
(٢) في المطبوع: «التي».
(٣) بعده في النسخ المطبوعة زيادة: «وهو».