للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالإجارة بالأجرة المجهولة، مثل أن يكريه الدارَ بما يكسبه المكتري في حانوته (١) من المال هو من الميسر.

وأما المضاربة والمساقاة والمزارعة فليس فيها شيء من الميسر، بل هي من أقوَم العدل. وهو مما يبيِّن لك أن المزارعة التي يكون فيها البذر من العامل أولى بالجواز من المزارعة التي يكون فيها البذر من ربِّ الأرض. ولهذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه [٢٣٧/ب] وسلم يزارعون على هذا الوجه. وكذلك عامَل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أهلَ خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر وزرع (٢) على أن يعملوها من أموالهم. والذين اشترطوا أن يكون البذر من ربِّ الأرض قاسوا ذلك على المضاربة، فقالوا: المضاربة فيها المال من واحد والعمل من آخر، فكذلك المزارعة ينبغي أن يكون البذر فيها من مالك الأرض، وهذا القياس ــ مع أنه مخالف للسنة الصحيحة ولأقوال الصحابة - فهو من أفسد القياس، فإن المال في المضاربة يرجع إلى صاحبه، ويقتسمان الربح، فهذا نظير الأرض في المزارعة.

وأما البذر الذي لا يعود نظيره إلى صاحبه، بل يذهب كما يذهب نفع الأرض، فإلحاقُه بالنفع الذاهب أولى من إلحاقه بالأصل الباقي. فالعامل إذا أخرج البذر ذهب عملُه وبذرُه، وربُّ الأرض يذهب نفعُ أرضه، وبدنُ هذا كأرض هذا. فمن جعل البذر كالمال في المضاربة كان ينبغي له أن يعيد مثل هذا البذر إلى صاحبه، كما قال مثل ذلك في المضاربة، فكيف ولو اشترط ربُّ البذر عود نظيره لم يجوِّزوا ذلك؟


(١) كذا في النسخ و «مجموع الفتاوى». وفي المطبوع: «من حانوته».
(٢) أخرجه البخاري (٢٣٢٨) ومسلم (١٥٥١) من حديث ابن عمر.