للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعجَّل براءةَ ذمته، والآخر انتفع (١) بما يربحه. وإذا جاز أن يشغل أحدهما ذمته والآخر يحصل على الربح ــ وذلك في بيع العين بالدين ــ جاز أن يُفرغها [٢٣٨/ب] من دين ويشغلها بغيره. وكأنه شغَلها به ابتداءً إما بقرض أو بمعاوضة، فكانت ذمته مشغولة بشيء، فانتقلت من شاغل إلى شاغل. وليس هناك بيع كالئ بكالئ، وإن كان بيع دين بدين فلم ينه الشارع عن ذلك، لا بلفظه ولا بمعنى لفظه. بل قواعد الشرع تقتضي جوازه، فإن الحوالة اقتضت نقلَ الدين وتحويله من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، فقد عاوض المحيل المحتال من دينه بدين آخر في ذمة ثالث، فإذا عاوضه من دينه على دين آخر في ذمته كان أولى بالجواز. وبالله التوفيق.

رجعنا إلى كلام شيخ الإسلام، قال: الوجه الثاني ــ يعني مما يبيِّن أن الحوالة على وفق القياس ــ: أن الحوالة من جنس إيفاء الحق، لا من جنس البيع؛ فإن صاحب الحق إذا استوفى من المدين ماله كان هذا استيفاء، فإذا أحاله على غيره كان قد استوفى ذلك الدين عن الدين الذي في ذمة المحيل. ولهذا ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - الحوالة في معرض الوفاء، فقال في الحديث الصحيح: «مطلُ الغني ظلمٌ، وإذا أُتبِع أحدُكم على مليءٍ فَلْيَتْبَعْ» (٢). فأمر المدين بالوفاء، ونهاه عن المطل، وبيَّن أنه ظالم إذا مطل، وأمر الغريم بقبول الوفاء إذا أحيل على مليءٍ. وهذا كقوله تعالى: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ١٧٨] أمَر المستحِقَّ أن يطالب بالمعروف، وأمر المؤدِّي


(١) في النسخ المطبوعة: «ينتفع»، وكأن بعضهم صحَّف في الفعل السابق، فقرأ «يعجِّل»، فغيَّر هذا أيضًا إلى المضارع.
(٢) أخرجه البخاري (٢٢٨٧) ومسلم (١٥٦٤) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.