قال: هي واجبة عليه ابتداءً قال: لا تجزئ، بل هي كأداء الزكاة عن الغير. وكذلك القاتل إذا لم تكن له عاقلة، هل تجب الدية في ذمة القاتل أو لا؟ على قولين، بناءً على هذا الأصل.
والعقلُ فارق غيرَه من الحقوق في أسباب اقتضت اختصاصه بالحكم، وذلك أن دية المقتول مال كثير، والعاقلة إنما تحمل الخطأ، ولا تحمل العمد بالاتفاق، ولا شِبْهَه على الصحيح، والخطأ يُعذَر فيه الإنسان. فإيجابُ الدية في ماله فيه ضرر عظيم عليه من غير ذنبٍ تعمَّده، وإهدارُ دم المقتول من غير ضمان بالكلية فيه إضرارٌ بأولاده وورثته، فلا بد من إيجاب بدله. فكان من محاسن الشريعة وقيامها بمصالح العباد أن أوجب بدله على من عليهم موالاة القاتل ونصرته، فأوجب عليهم إعانته على ذلك.
وهذا كإيجاب النفقات على الأقارب وكسوتهم، وكذا مسكنهم وإعفافهم إذا طلبوا النكاح، وكإيجاب فكاك الأسير من بلد العدو؛ فإن هذا أسيرٌ بالدية التي لم يتعمَّد سببَ وجوبها ولا وجبت باختيار مستحِقِّها كالقرض والبيع. وليست قليلة، [٢٥٥/أ] فالقاتل في الغالب لا يقدر على حملها. وهذا بخلاف العمد، فإن الجاني ظالم مستحقٌّ للعقوبة ليس أهلًا أن يحمَل عنه بدل القتيل (١). وبخلاف شبه العمد، لأنه قاصد للجناية متعمِّد لها، فهو آثم معتدٍ. وبخلاف بدل المتلف من الأموال، فإنه قليل في الغالب لا يكاد المتلِف يعجز عن حمله. وشأن النفوس غير شأن الأموال، ولهذا لا تحمل العاقلة ما دون الثلث عند أحمد ومالك لقِلَّته واحتمال الجاني لحمله. وعند أبي حنيفة لا تحمل ما دون أقلِّ المقدَّر كأرش الموضِحة،