للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتحمل ما فوقه. وعند الشافعي تحمل القليل والكثير طردًا للقياس. وظهر بهذا كونها لا تحمل العبد، فإنه سلعة من السلع ومال من الأموال. فلو حملت بدله لحملت بدل الحيوان والمتاع.

وأما الصلح والاعتراف فعارض هذه الحكمةَ فيهما (١) معنى آخر، وهو أن المدعي والمدعى عليه قد يتواطآن على الإقرار بالجناية، ويشتركان فيما تحمله العاقلة، ويتصالحان على تغريم العاقلة، فلا يسري إقراره ولا صلحه (٢) في حقِّ العاقلة، ولا يُقبَل قوله فيما يجب عليها من الغرامة. وهذا هو القياس الصحيح، فإن الصلح والاعتراف يتضمن إقراره ودعواه على العاقلة بوجوب المال عليهم، فلا يُقبَل ذلك في حقِّهم، ويُقبَل بالنسبة إلى المعترف كنظائره. فتبيَّن أن إيجاب الدية على العاقلة من جنس ما أوجبه الشارع من الإحسان إلى المحتاجين كأبناء السبيل والفقراء والمساكين.

وهذا من تمام الحكمة التي بها قيام مصلحة العالم. فإن الله سبحانه قسم خلقَه إلى غني [٢٥٥/ب] وفقير، ولا تتم مصالحهم إلا بسدِّ خَلَّةِ الفقير، فأوجب سبحانه في فضول أموال الأغنياء ما يسُدُّ (٣) خلَّةَ الفقراء، وحرَّم الربا الذي يُضِرُّ بالمحتاج، فكان أمرُه بالصدقة ونهيُه عن الربا أخوين شقيقين. ولهذا جمع (٤) بينهما في قوله: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}


(١) في النسخ: «فيها».
(٢) بعده في النسخ المطبوعة: «فلا يجوز إقراره». ولم يرد في شيء من النسخ التي بين يديَّ.
(٣) في النسخ المطبوعة: «يسدُّ به»، ولعل الزيادة من بعض الناشرين.
(٤) زيد في النسخ المطبوعة بعده لفظ الجلالة.