للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالكلية. فإن هذا القول وإن كان له حظٌّ من القياس، فإن الأول لم يَجْنِ عليه أحد، وهو الجاني على الثاني فديته على عاقلته، والثاني على الثالث، والثالث على الرابع، والرابعُ لم يَجْنِ على أحد فلا شيء عليه. فهذا قد تُوُهِّمَ (١) أنه في ظاهر القياس أصحُّ من قضاء أمير المؤمنين، ولهذا ذهب إليه كثير من الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم؛ إلا أن ما قضى به عليٌّ أفقه، فإن الحاضرين ألجؤوا الواقفين بمزاحمتهم لهم، فعواقلهم أولى بحمل الدية من عواقل الهالكين، وأقرب إلى العدل من أن يجمع عليهم بين هلاك أوليائهم وحمل دياتهم، فتتضاعف عليهم المصيبة، ويُكسَروا [٢٧١/أ] من حيث ينبغي جبرُهم. ومحاسن الشريعة تأبى ذلك، وقد جعل الله سبحانه لكلِّ مصاب حظًّا من الجبر، وهذا أصلُ شرعِ حملِ العاقلة الدية جبرًا للمصاب وإعانةً له.

وأيضًا فالثاني والثالث كما هما مجنيٌّ عليهما، فهما جانيان على أنفسهما وعلى من جذَباه، فحصل هلاكهم بفعل بعضهم ببعض، فألغى ما قابل فعلَ كلِّ واحد بنفسه، واعتبر جناية الغير عليه.

وهو أيضًا أحسن من تحميل دية الرابع لعواقل الثلاثة، ودية الثالث لعاقلة الثاني والأول، ودية الثاني لعاقلة الأول خاصة؛ وإن كان له أيضًا حظٌّ من قياس تنزيلًا لسبب السبب منزلة السبب. وقد اشترك في هلاك (٢) الرابع الثلاثة الذين قبله، وفي هلاك الثالث الاثنان، وانفرد بهلاك الثاني الأول. ولكن قول عليٍّ أدقُّ وأفقَهُ.


(١) لم يعجم حرف المضارعة في ح. وفي المطبوع: «يوهم».
(٢) ما عدا ع: «هذا».