أي: كنتم أشفيتم حفرة من النار، وهو القريب منها، لولا أنه من بالإسلام. ويحتمل أن يكون على الكون فيها والوقوع، لا القرب؛ كقوله:(لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ)، ليس على الرؤية خاصة؛ ولكن على الوقوع فيها؛ وكقوله:(فَذُوقُوا الْعَذَابَ) ليس على البعد منها؛ ولكن على الكون فيها، ومثله كثير يترجم على الوقوع فيها.
وقوله:(حُفْرَةٍ): كأنه قال: كنتم على شفا درك من دركات النار، (فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا).
وهذا -أيضًا- على المعتزلة؛ لأن على قولهم: هم الذين ينقذون أنفسهم، لا اللَّه، على ما ذكرنا، واللَّه أعلم.
قال الشيخ - رحمه اللَّه - نقول: إذا كان اللَّه - تعالى - عندهم قد جمع بين الكفرة والبررة في بذل الأصلح لهم في الذين، وليس منه غير ذلك فلا يجيء أن يمن عليهم به يتألف بنعمته، والتي منه موجود مع التفرق؛ بل أُولَئِكَ تألفوا بنعمتهم. وبعد؛ فإنّ النعمة لو كانت دينًا، فما الذي كان منه حتى يمن، وذلك فعلهم بلا فضل منه فيه؟! واللَّه أعلم.
وفي قوله:(وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ) الآية: أنه قد يلزم خطاب الإيمان حين الفترة؛ لأنهم في ذلك الوقت كانوا قد أنقذوا، واللَّه الموفق.
وقوله:(كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ): إذ كنتم أعداء في الجاهلية والكفر، متفرقين، وصرتم إخوانًا في الإسلام؛ كلمتكم واحدة.
(لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ): لكي تعرفوا نعمته ومنته.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: وقد يكون: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ) في حادث الأوقات؛ لتكونوا فيها مهتدين كما اهتديتم؛ فيكون في ذلك وعد التوفيق والبشارة، والله أعلم.