للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)، فلولا أن الضم واجب ويكون المؤدى عن أحدهما مؤدى عن الآخر، وإلا لم يكن لذلك معنى.

ثم في متعارف الناس أنهم يؤدون من الفضة عن الذهب؛ لأن الذهب أعز عندهم، والفضة دونه.

ثم إن كانت الآية في الكفرة فهي في القبول؛ كقوله: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ)، وقوله: (الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)، وذلك على القبول، لا في الأداء نفسه.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (٣٥)

جعل اللَّه تعذيب الكفرة في الآخرة بالأسباب التي منعتهم عن طاعة اللَّه، ودعتهم إلى مخالفة أمره، ويجمع بينهما في النار؛ كقوله: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)، وقوله: (يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) وقوله: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ)، ونحو ذلك؛ فعلى ذلك ما كنزوا يحمى عليها، فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، يعذبهم بها؛ لما منعتهم تلك الأموال من طاعته، ودعتهم إلى صدّ الناس عن سبيل اللَّه؛ يجعل عذابهم في الآخرة بها.

ويحتمل قوله: (وجِبَاهُهُمْ): كناية عن التقديم إلى الآخرة، أي: لم يقدموها ولم ينفقوها في سبيل اللَّه.

وقوله: (وَجُنُوبُهُمْ): لما أخذوها مما يحل ومما لا يحل من كل جهة.

وقوله: (وَظُهُورُهُمْ): لما أنفقوها في الصد عن سبيل اللَّه.

ويحتمل ذكر هذا إحاطة العذاب بهم من كل الجهات؛ كقوله: (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ)، وقوله: (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) أي: يحيط العذاب بهم؛ فعلى ذلك هذا - واللَّه أعلم - كقوله: (أَفَمَن

<<  <  ج: ص:  >  >>