للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولو كان بيانا على ما يقولون لكان رسول اللَّه يقدر أن يبين له وقد بين.

لكن الجبائي يحتج لهم فيتأول ويقول: إن رسول اللَّه كان يحرص أن يدخله الجنة فيقول: إنك لا تهدي طريق الجنة له حتى يدخلها، أو كلام يشبه هذا، وذلك بعيد.

وقال جعفر بن حرب: هذا ليس في ابتداء الهداية، ولكن في اللطائف التي تخرج مخرج الثواب لهم لما كان منهم من الاهتدء في البداء والأنف؛ كقوله: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى. . .) الآية، فيخبر أنك لا تملك الهداية اللطيفة التي تخرج مخرج الثواب أن تهديهم.

فيقال له: أخبرنا عن تلك الزيادة التي تخرج مخرج الثواب لهم لما كان منهم من الاهتداء في الابتداء تنفع لهم دون الابتداء.

فإن قالوا: نعم.

فيقال لهم: فذلك عليه أن يفعل بهم؛ إذ من قولهم: إن عليه أن يعطي كل كافر ما ينفعه ويصلح له في دينه، فكيف منع ذلك وهو ينفعهم؟!

والثاني: يقال لهم: إن تلك الزيادة التي تخرج مخرج الثواب لهم واللطائف على ما كان منهم في الابتداء يستوجبها أو لا يستوجبها، فإن كان يستوجبها فلا معنى للمنع على قولهم؛ لأنهم يقولون: إن على اللَّه أن يعطي ذلك، وإن كان لا يستوجبها، فلا معنى لقوله: (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) على قولهم؛ فيبطل الاحتجاج به على قولهم.

وعندنا زيادة الهداية وابتداؤها سواء، وهو على ما أخبر رسوله أنه لا يهديه، ولكن لو كان الهداية بيانًا - على ما قالوا - لكان قد بين لهم؛ فدل ذلك منه أن ثم هداية سوى البيان عند اللَّه إذا أعطاها العبد يصير بها مؤمنًا، وهي التوفيق والعصمة والسداد، وذلك لا يملك رسول اللَّه إنشاء ذلك وابتداعه، بل اللَّه هو المالك بذلك.

* * *

قوله تعالى: (وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (٥٨) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (٥٩) وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٦٠) أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٦١)

وقوله: (وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا): دل قولهم: (إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى

<<  <  ج: ص:  >  >>