للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدل أن العاقبة هي التي تصير هذا محمودا.

ولأن الخلق جميعا من مسلم وكافر، ومحسن ومسيء، قد استووا في نعم هذه الدنيا ولذاتها مما ذكرنا من ممر الليل والنهار ومما يخلق فيها من النبات والثمار والعيون والأشجار، فإذا وقع الاستواء في هذه الدار، وبه وردت الأخبار عن النبي المختار أن الناس شركاء في الماء والكلأ والنار - لا بد من دار أخرى للأشقياء والأبرار؛ ليقع بها التفاوت بين الأبرار والأشرار، والنافع منهم نفسه والضار، وإذا ثبت أنهما استويا في منافع الليل والنهار، وجميع ما في الدنيا من الأنزال وغيرها، فإذا وقع الاستواء بينهم في الدنيا لا بد من دار أخرى فيها يقع التفاوت والتفاضل بينهم، وفيها يميز بين ما ذكرنا.

ثم بين أن السعي الذي يقع الجزاء له مختلف، ما ذكر بقوله: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وهو يخرج على وجوه:

يحتمل (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى)، أي: أعطى ما أمر به، واتقى عصيانه وكفران نعمه، أو اتقى المنع، أو من أعطى التوحيد لله - تعالى - من نفسه، واتقى الشرك والكفران لنعمه، وصدق بموعود اللَّه - تعالى -: (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى): للأعمال والشرائع؛ إذ نشرح صدره للتوحيد والإسلام ونيسره عليه.

(وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ)، ولم يأت بالتوحيد، (وَاسْتَغْنَى) عن اللَّه - تعالى - بما عنده، (وَكَذَّبَ) بموعود اللَّه (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)؛ لما بعده من الأعمال، واللَّه أعلم.

والثاني: في حق القبول والعزم على وفاء ذلك بقوله: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى)، أي: قبل الإعطاء، وعزم على وفاء ذلك، (وَاتَّقَى)، أي: عزم على اتقاء معاصي اللَّه - تعالى - ومحارمه.

(وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى)، أي: بموعوده؛ (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى)، أي: سنيسره لوفاء ما عزم عليه، (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ)، أي: عزم على البخل والمنع بذلك، (وَاسْتَغْنَى) وبالذي له وعنده، (وَكَذَّبَ) بموعود اللَّه تعالى (فَسَنُيَسِّرُهُ) لوفاء ما عزم عليه، من الخلاف لله

<<  <  ج: ص:  >  >>