والمؤمن إذا عاين الثواب يلوم نفسه لما أمسك عن المعصية وتاب، وأطال المقام في المحراب؛ وأبصر للعاملين بالطاعة حسن المآب، وللعاصي نفسه بما شذ منه وغاب، عند كمال القوة وعنفوان الشباب، وقال: كيف لم أزدد في العمل؛ لأزداد في الثواب!
ومنهم من خص الكافر في الآخرة باللوم على نفسه، وهذا أظهر؛ لأن المسلم إذا أكرم بالثواب فشكره لذلك يشغله عن اللوم على نفسه؛ فلا يتفرغ له.
ولأن اللَّه - تعالى - يضاعف له من الحسنات، ويعطيه من الدرجات زيادة على ما استوجبه بعمله؛ فضلا منه وإنعاما، فكيف يلوم نفسه بتقصيرها في العمل، وهو يعلم أن ما وصل إليه من الكرامات، لم ينل جملتها بعمله، بل بفضل اللَّه تعالى وبكرمه، والله أعلم.
فقوله:(أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ) وإن خرج مخرج الاستفهام في الظاهر فليس هو باستفهام؛ ولكنه تحقيق حسبان من الإنسان؛ فجائز أن يكون ما حمله على الحسبان هو أن القدرة لا تنتهي إلى هذا في أن تجمع العظام وتؤلف بعد تفتتها وتلاشيها، فيدفع حسبانه هذا بقوله:(قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ)، فمن تفكر في النشأة الأولى، علم أن القدرة تنتهي إلى جمع العظام بعد أن صارت رميما، وأن الذي قدر على إنشائها لقادر على جمعها بعد تفريقها.
وجائز أن يكون حسب أن العظام لا تجمع بعد تفريقها؛ لأنها لو جمعت بعد التفريق، لم تكن تفرق بعد أن وجدت مجموعة؛ ألا ترى أن المرء في الشاهد لا يقصد إلى نقض ما بنى؛ ليعيده مرة أخرى إلى الجهة المتقدمة، ومن فعل ذلك كان عابثا في هدمه، ولم يكن حكيما، فإن كان هذا المعنى هو الذي حمله على الحسبان، فجوابه أن يقال بأن الجمع الأول وقع لمكان المحنة والابتلاء، والجمع بعد التفريق لمكان الجزاء؛ فإذا كان الجمع الثاني لغير الوجه الذي وقع له الجمع في الابتداء، كان مستقيما صحيحًا، وإنما يخرج عن حد الحكمة إذا لم تكن الإعادة إلا للوجه الذي وقع الابتداء له؛ ألا ترى أن الذي نقض بناءه إذا أعاده لا للوجه الذي كان بني أول مرة، لم ينكر عليه.
وفيما ذكرنا رد قول الباطنية؛ لأنهم زعموا أن هذه الأنفس تتلاشى وتتلف؛ فلا تبعث،