للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويحتمل قوله: (فُصِّلَتْ): ثبتت، على غير ما قاله أهل التأويل، وهو أن يثبت آياته بالحجج والبراهين حتى يعلم أنها آيات من اللَّه تعالى.

وقوله: (قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).

أي: أنزله بلسان يعلمونه ويفهمونه لا بلسان لا يعلمونه ولا يفهمونه، أي: أنزله بلسانهم. ويحتمل (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أي: ينتفعون بعلمهم، أي: حصل إنزاله لقوم ينتفعون، فأما من لم ينتفع به، فلم يحصل إلا الإنزال له، واللَّه أعلم.

وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (قرآنا عربيا لقوم يعقلون).

وقوله: (بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (٤)

البشارة والنذارة هي بيان ما يكون في العاقبة من الخير والشر، أو يقال: البشارة هي الدعاء إلى ما يوجب لهم من الحسنات والخيرات في العاقبة، والنذارة هي الزجر عما يوجب لهم من السيئات والمكروهات في العاقبة، والنذارة هي الزجر؛ فصار معنى الآية: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أرسل داعيًا إلى الحسنات وزاجرًا عن السيئات، واللَّه أعلم.

وقوله: (فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ).

يحتمل إعراضهم عنه وجهين:

أحدهما: أي: أعرضوا عن التفكر فيه والتأمل.

والثاني: أعرضوا عن اتباعه بعدما تأملوا فيه وتفكروا، وعرفوا أنه حق وأنه من الله تعالى، لكنهم تركوا اتباعه عنادًا منهم ومكابرة؛ حذرا عن ذهاب الرياسة، واللَّه أعلم.

وقوله: (فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ).

أي: لا يجيبون على ما ذكرناه.

قوله: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (٥)

لا شك أن قلوبهم على ما ذكروا أنها في أكنة وفي آذانهم وقر؛ لأنه ذكر - جل وعلا - أنه جعل على قلوبهبم أكنة وفي آذانهم وقرا؛ حيث قال تعالى: (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا)، على ما أخبروا أن قلوبهم في أكنة وغطاء، وفي آذانهم وقر، لا يفقهون ما يدعون إليه، ولا يسمعون ذلك وإن كانوا يفقهون غيره ويسمعون؛ لأنهم كذلك قالوا: (قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ).

وقوله: (وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ).

إن ثبت ما ذكر بعض أهل التأويل: أن ثوبًا فيما بينهم وبين رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: كن أنت يا مُحَمَّد في جانب، ونكون نحن في جانب آخر، ونحوه من الكلام - فهو ذلك،

<<  <  ج: ص:  >  >>