أتيحت لهم سبيل إلى نيل بغيتهم منه، ومما لا ريب فيه أن الناظر في كتاب اللَّه تعالى يجد فيه ألوانًا شتى من تفسير بعضه لبعض، فقد نرى ما أوجز منه في مكان قد بسط في مكان آخر كما ترى منه العام الذي جاء فيه تخصيصه، والمطلق الذي وقع فيه تقييده، والمجمل الذي حصل فيه بيانه، والمبهم الذي ذكر فيه تفسيره.
هذا، وقد ذكرنا في الفصل الأول من هذه الدراسة نماذج لتفسير القرآن بالقرآن، وغيرها كثير يعلم بالتدبر في كتاب اللَّه.
[المصدر الثاني: السنة المطهرة:]
سبقت الإشارة إلى أنه إن لم يتهيأ ننا الظفر بالبغية في القرآن اتجهنا مباشرة -كما فعل السلف- إلى السنة الصالحة للحجية، أي: الثابتة بطريق صحيح أو حسن، لا يقدم في ذلك غيرها عليها بحال من الأحوال، انطلاقًا من المسلمات الأربع التي سبق أن ذكرناها.
[المصدر الثالث: أقوال الصحابة:]
إن أعيانا البيان من القرآن الكريم وثابت السنة المطهرة تطلبناه في أقوال الصحابة عليهم الرضوان، وقد أطلق الحاكم في المستدرك: أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي، له حكم المرفوع، فكأنه رواه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وعزا هذا القول للشيخين حيث يقول في المستدرك:" ليعلم طالب الحديث أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل -عند الشيخين- حديث مسند ".
ولكن قيد ابن الصلاح والنووي وغيرهما هذا الإطلاق بما يرجع إلى أسباب النزول، وما لا مجال للرأي فيه، قال ابن الصلاح في مقدمته: " ما قيل من أن تفسير الصحابي حديث مسند فإنما ذلك في تفسير يتعلق بسبب نزول آية يخبر به الصحابي، أو نحو ذلك مما لا يمكن أن يؤخذ إلا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ولا مدخل للرأي فيه؛ كقول جابر - رضي الله عنه -: كانت اليهود تقول: من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول، فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ:(نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ. . .)، الآية، فأما سائر تفاسير الصحابة التي