للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ (٥٨) إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (٥٩)

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٥٦)

قال عامة أهل التأويل: إن اليهود جادلوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في الدجال أنه منهم، وأنه في الطول كذا ونحوه؛ وعلى ذلك نسق الآيات التي تتلو هذه الآية.

ولكن لسنا ندري بماذا صرفوا مجادلتهم في آيات اللَّه إلى المجادلة في الدجال، ولا يسع أن نحمل ما ذكر من مجادلتهم في آيات اللَّه على المجادلة في الدجال، إلا أن يثبت خبر عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بطريق التواتر أن المجادلة المذكورة في الآية في الدجال؛ فحينئذ يصرف إلى ذلك، واللَّه أعلم.

ثم قوله: (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ) أي: يجادلون في دفع آيات اللَّه بغير حجة أتتهم من اللَّه، وكانت المجادلة في دفع آيات اللَّه من رؤساء الكفرة وأكابرهم، كانوا يموهون بمجادلتهم في دفع آيات اللَّه تعالى والطعن فيها على أتباعهم وسفلتهم؛ ليبقى لهم الرياسة والمأكلة التي كانت لهم، وهو ما ذكر: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ. . .) الآية، (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا)، وغير ذلك من الآيات، لم يزل الأكابر منهم والرؤساء يطعنون في آيات اللَّه تعالى ويدفعونها، يريدون التمويه والتلبيس على أتباعهم وسفلتهم، ليبقى لهم العز والشرف الذي كان لهم، ويبطلوا به الحق، ويطفئوا نوره؛ كقوله - عز وجل -: (لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ)، وقوله - تعالى -: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ)، هذا كان مرادهم من مجادلتهم في آيات اللَّه والطعن فيها.

ثم أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أنهم يجادلون، ويفعلون ذلك؛ تكبرًا منهم على آيات الله والخضوع لرسله، حيث قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ).

أي: ما في صدورهم إلا كبر، أي: كبرهم هو الذي حملهم على المجادلة في آيات اللَّه، ثم الذي حملهم على الكبر جهلهم بسبب العز والشرف، ظنوا أن العز والشرف إنما يكون بالأتباع الذين يصدرون عن آرائهم، ولو عرفوا منهم يكون العز والشرف، لكانوا لا

<<  <  ج: ص:  >  >>