للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كفؤًا لهن، ثم عرض عليهم في ذلك الوقت؛ ليعلموا قبح ذلك الفعل الذي قصدوا بأضيافه، أو كلام نحو هذا، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي) وقال في موضع آخر: (فَلَا تَفْضَحُونِ)، ليعلم أن الإخزاء هو الفضيحة؛ هذا يدل أن الخزي هو الذي يفضح من نزل به.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) قَالَ بَعْضُهُمْ: هم أن يزوج بعض بناته من يصدر لرأيه فيمنعهم عنهم؛ كأنه يقول: أليس منكم من يرشد ويصدر لرأيه.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) أي: أليس منكم رجل يقبل الموعظة، ويرشدكم، ويعظكم، أو يقول: أليس منكم رجل رشيد على النفي فيمنعهم عما يريدون ويقصدون.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (٧٩) على التأويلين اللذين ذكرناهما يكون: الحق: حق النكاح، أو حق الاستمتاع، وفي بعض التأويلات من حق: من حاجة، وبذلك يقول عامة أهل التأويل: (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ) أي: من حاجة (وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ) يعنون: الأضياف (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (٨٠) أي: قوة في نفسي (أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) قيل: عشيرته. والركن الشديد عند العرب: العشيرة؛ يقول: لو أن لي بكم قوة في نفسي أو عشيرة يعينوني لقاتلتكم؛ فيه دلالة أن من رأى آخر على فاحشة فله أن يقاتله.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ) تأويله - واللَّه أعلم -: أنك تعلم أن ليس لنا في بناتك من حق كما ليس لنا في أضيافك من حق فكيف تمنعنا عنهم وتعرض علينا بناتك، فهن فيما ليس لنا فيهن حق كأُولَئِكَ، واللَّه أعلم.

(قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (٨١) قيل: قالوا ذلك للوط: لن يصلوا إليك؛ لما طمسوا أعينهم، وهو كقوله: (وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُر).

وقال قائلون قالوا ذلك للوط لما أوعدوا للوط، حين طمست أعينهم أن ضيفك سحروا أبصارنا، فستعلم غدًا ما تلقى أنت وأهلك، فقالوا عند ذلك: لن يصلوا إليك بسوء غدًا بأنهم يهلكون.

ودل قوله: (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) على أنهم قد هموا للوط وأوعدوه حتى قال ما قال؛ ألا ترى أن الملائكة قالوا له: إنهم لن يصلوا إليك، فهذا على ما ذكرنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>