أما في الآفاق فما جعل منافع البلاد النائية والقرى المتباعدة متصلة بمنافع أنفسهم ومنافع البلاد القريبة، ومنافع السماء متصلة بمنافع الأرض على بعد ما بينهما؛ ليعلم أنه تدبير واحد وفعل فرد لا عدد، أو أن يكون آياته في الآفاق رفع السماء مع غلظها وكثافتها وسعتها بلا سبب ولا تعليق من أعلاها ولا عماد من أسفلها.
وفي أنفسهم: ما حوَّلهم وقلَّبهم في الأرحام من حال النطفة إلى حال العلقة، ومن حال العلقة إلى حال المضغة، ثم من حال المضغة إلى حال الإنسان والتصوير والتركيب، إلى آخر ما ينتهي إليه أمره؛ ليعلم أنه صنع واحد وتدبير فرد لا تدبير لأحد سواه في ذلك.
فهذان التأويلان في آية الألوهية والوحدانية، والأولان في إثبات الرسالة، واللَّه أعلم.
كأنه يقول: أولم يكف ربُّك شاهدًا أنه من عنده على ما تقول أنت، أو يقول: أولم يكف ربك ناصرًا ومعينًا، أو يكون قوله:(أَوَلَمْ يَكْفِ) أي: أولم يكفهم ما جاء من عند اللَّه من البينات والقرآن؛ كقوله:(أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ. . .) الآية؛ فعلى ذلك يحتمل هذا. ويحتمل: أولم يكفهم آية على رسالتك أو آية على وحدانية اللَّه تعالى ما جاء من عند اللَّه، واللَّه أعلم.