للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الأول

انتماء الماتريدي التفسيري

ظهر لنا فيما سبق أن هناك مدارس كثيرة في تفسير القرآن الكريم، فهناك: مدرسة التفسير بالمأثور، ومدرسة التفسير بالرأي، ويقف بين هاتين المدرستين بعض المفسرين لا إلى هَؤُلَاءِ ولا إلى هَؤُلَاءِ، فيتخذون من النقل والعقل طريقًا للتفسير.

والنقل -كما سبقت الإشارة-: هو تفسير القرآن بالقرآن أو السنة أو المأثور عن الصحابة والتابعين، وأما العقل -كما سبق أيضًا-: فيعمل المفسر عقله في الآيات، لكن هذا الإعمال مشروط بشروط تتلخص في: عدم عدول المفسر عن حقيقة اللفظ إلى مجازه إلا إذا قامت القرائن الواضحة القاطعة التي تمنع من حقيقة اللفظ وتحمل على مجازه، ومخالفة هذه القاعدة الأساسية اليسيرة قد أدى -عند بعض المفسرين- إلى كثير من الخطأ في تفسير بعض الآيات القرآنية المتعرضة للأنفس والآفاق.

ومن أهم الأسس التي يقوم عليها استخلاص المفسر لمضمونات اللفظ القرآني بطريق العقل، وتكسب عمله سنده ومشروعيته، هي مراعاة اللفظ القرآني في خطابه حال العرب ومشاهداتهم ومعارفهم، ونزوله في التعبير على مستوى ما يعرفون؛ ضمانًا لهدايتهم، ثم احتواؤه مع ذلك الحقيقة الأبدية التي يتجدد بها إيمان الناس كلما تكشفت لهم عصرًا بعد عصر، وهو أمر لا يعرف ولا يوجد في غير القرآن الكريم يمنحه الجدة الدائمة والثراء الذي لا ينفد، ويعطي المتأملين فيه، والباحثين في أسراره مشروعية مستمرة، وضمانًا وسندًا دائمين، وتأتي أساليب القرآن الكريم فوق ذلك مستجمعة درجات الفهم، وفيها الغاية -كل الغاية- لكل عقل صحيح، يقرؤها العالم فيستشف من خلالها علل الأشياء، ويقرؤها الحكيم فيلتمس منها أسرار الوجود، ويقرؤها غيرهما من الناس فتنقاد لها قلوبهم وعقولهم، وترى الآي القرآني في علوه يداور المعاني، ويخاطب الأرواح، ويتألف الناس بهذه الخصوصية فيه حتى ينتهي بهم مما يفهمون إلى ما ينبغي أن يفهموا، وحتى يقف بهم على نص اليقين ومقطع الحق.

والماتريدي من هَؤُلَاءِ العلماء الذين اشتهر عنهم أنه تابع لمدرسة أبي حنيفة، ومدرسة

<<  <  ج: ص:  >  >>