ويحتمل أن يكون قولهم:(لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ) إنما قالوا ذلك عند رد رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عليهم بما حيوه حين قال:" وعليكم " يقولون: إنه دعا علينا بقوله: " وعليكم "، فإن كان رسولا لأجيب دعاؤه الذي دعا علينا، لكن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لم يدع عليهم؛ إنما رد قولهم عليهم ردًّا، واللَّه أعلم.
إن أهل التأويل صرفوا الآية إلى المنافقين، وعندنا يحتمل صرف النهي إلى المؤمنين عن التناجي بمثل ما تناجوا أُولَئِكَ، أي: لا تتناجوا أنتم يا أهل الإيمان فيهم بالإثم والعدوان كما تناجوا فيكم، يقول: لا تجازوهم بالذي فعلوا هم بكم، ولكن تناجوا فيهم بالبر والتقوى، وهو كقوله - تعالى -: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا): نهى المؤمنين أن يجازوهم جزاء الاعتداء الذي كان منهم من صدهم عن المسجد الحرام؛ بل أمرهم بالتعاون على البر والتقوى، قال:(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى)، فعلى ذلك يحتمل هذا، واللَّه أعلم.
وجائز أن يكون في المؤمنين حقيقة على الابتداء؛ نهيا منه لهم، يقول: إذا تناجيتم فلا تتناجوا فيما يؤثمكم ويحملكم على العدوان: على المجاوزة عن الحد، ومعصية الرسول فيما يأمركم وينهاكم، (وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى): يحتمل كل أنواع الخير، وأما التقوى فهو كل ما يقون به أنفسهم عن النار، وقد تقدم ذكره.