أكرموا من أنواع الكرامات والفضائل التي خصوا هم بها من التوبة لله وفضل التضرع والابتهال إلى اللَّه؛ لما رأوا ما ارتكبوا كفرانا له فيما أنعم عليهم وأحسن إليهم - فضل تضرع وابتهال ما لا يلزم ذلك غيرهم فيماثل ما كان منهم، واللَّه أعلم.
يحتمل أن يكون كرسيه ملكه؛ فيكون ما ذكر كناية عن نزع ملكه.
وجائز أن يكون ما ذكر من إلقاء الجسد على كرسيه حقيقة الكرسي ألقى عليه جسدًا يشبه جسد سليمان في الجسمية، لا في العلم والمعرفة والبصر وما كان فيه من الكرامات؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ)، أي: عجلا مجسدا في الجسدية، لا أن جسد العجل الذي اتخذه هو جسد العجل المعروف؛ فعلى ذلك قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا) أن يشبه جسد سليمان في الظاهر في الجسدانية، لا في أن جسده كجسد سليمان فيما فيه من اللحم والبصر وغير ذلك، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ أَنَابَ).
يحتمل وجهين:
أحدهما: ثم أناب إلى اللَّه تعالى ورجع إليه بجميع أموره إن كان فيه زلة وعثرة وأناب ورجع وأقبل وتاب، واللَّه أعلم.
يحتمل سؤال المغفرة عند سؤاله الملك أمرًا فيما بينه وبين ربه؛ لأن الملك مما يتلذذ به وفيه هوى النفس؛ وعلى ذلك خرج سؤال زكريا - عليه السلام - لما سأل ربه - عز وجل - الولد سأل أمرًا بينه وبين ربه في ذلك وهو ما قال:(رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً)؛ ولذلك خرج سؤال الأنبياء فيما سألوا مما فيه اللذة وهوى النفس من الولد وغيره فرقوا في ذلك السؤال أمرًا بينهم وبين ربهم، فعلى ذلك سؤال سليمان - عليه السلام - والملك قربة بالمغفرة في ذلك.
ثم يحتمل سؤاله المغفرة نفسها عما يكون منه من التقصير في ذلك.
أو يكون سؤاله المغفرة سؤال الأسباب التي بها يكون المغفرة لا نفس المغفرة؛ نحو قول نوح - عليه السلام - لقومه:(اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا)، وقول هود - عليه السلام -: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا)، لا يحتمل أن يأمروا قومهم أن قولوا: نستغفر اللَّه، ولكن أمروهم أن يأتوا بالأسباب التي بها يصيرون أهلا للمغفرة وبها يستوجبون التجاوز، فعلى ذلك يحتمل سؤال المغفرة ما ذكرنا، واللَّه أعلم.