للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

للـ (عند) مكان ينتقل من مكان إلى مكان، ولكن معنى الـ (عند) معنى الأمر، وعلى هذا يخرج قوله: (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) يعني الملائكة (لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ) أي: إن الذين بأمر ربك يعبدونه لا يستكبرون عن عبادته لما أنه لم يفهم من مجيء الحق من عنده مكان، فعلى ذلك لا يجوز أن يفهم من قوله: (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) المكان أو قرب المكان منه، ولكن التأويل ما ذكرنا أن المفهوم من عند الله أمره، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (٧٧) والحق ما ذكرنا.

(وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ): الإفلاح هو الظفر بالحاجة، يقول: (وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) أي: لا يظفر الساحر بالحاجة ولا يغلب؛ لأن السحر باطل ولا يغلب الباطل الحق، بل الحق هو الغالب. والسحر هو المغلوب على ما غلب الحق الذي جاء به موسى السحر الذي جاء سحرة فرعون.

أو يقول: لا يفلح الساحرون في الآخرة بسحرهم في الدنيا.

ويحتمل قوله: (وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) بسحرهم في حال سحرهم؛ كقوله: (لَا يُفلِحُ الظَّالِمُونَ)، و (لَا يُفلِحُ الْكَافِرُونَ) أي: لا يفلحون بظلمهم في حال ظلمهم، وأما إذا تركوا الظلم فقد أفلحوا، فعلى ذلك السحرة إذا تركوا السحر فقد أفلحوا، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (٧٨) قيل: لتصرفنا وتصدنا.

قَالَ الْقُتَبِيُّ: لفت فلانا عن كذا إذا صرفته، والالتفات منه وهو الانصراف.

وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: (لِتَلْفِتَنَا) أي: تردنا وتصرفنا على ما ذكر الْقُتَبِيّ، قال: يقال: لفته يلفته لفتا.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا): من عبادة الأصنام والأوثان.

ويحتمل ما وجدنا عليه آباءنا من عبادة فرعون والطاعة له.

(وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ) قال عامة أهل التأويل: الكبرياء الملك والسلطان

<<  <  ج: ص:  >  >>