وفي قوله:(لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) دليل على أنه ليس في إباحة الشيء في حال - يوجب حظره في حال أخرى؛ لأنه نهي عن الجهر بالسوء من القول، ثم لم يدل ذلك على أنه لا ينهى عن ذلك في غير حال الجهر.
ثم قال: (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ ... (١٤٩)
يحتمل - واللَّه أعلم - أن العفو والتجاوز خير عند اللَّه من الانتصار؛ فيحتمل هذا وجهين:
يحتمل: أن يكون على الترغيب: رغبهم - عَزَّ وَجَلَّ - بالعفو عن السوء والمظلمة، فكما أنه يعفو عن خلقه، ويتجاوز عنهم مع قدرته على الانتقام - فاعفوا أنتم عن ظالمكم أيضًا، وإن أنتم قدرتم على الانتصار والانتقام منهم، فيكون لكم بذلك عند الله الثواب.
ويحتمل: أن يأمرهم بالعفو عن مظالمهم؛ ليعفو - عَزَّ وَجَلَّ - عن مظالمهم التي فيما بينهم وبين ربهم؛ وعلى ذلك يخرج قوله:(فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) - واللَّه أعلم - فإن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أقدر على عفو ذنوبكم منكم على عفو صاحبكم المسيء إليكم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: اللَّه أجدر وأحرى أن يعفو عنك إذا عفوت عن أخيك في الدنيا، وهو على ذلك أقدر.