للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واللَّه أعلم.

وقوله: (وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) ظاهر.

ثم قوله: (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا).

لا يمكن العمل بها على قول المعتزلة؛ لأن رحمة اللَّه عندهم لا تسع لذنب واحد، فإنه ليس له أن يعفو عنه؛ فإن عندهم أن من ارتكب كبيرة، ليس له أن يرحمه، ولكن يعاقبه -على زعمهم- خالدا مخلدا، وإذا كان هذا قولهم ومذهبهم، فليست رحمته بواسعة بزعمهم.

ثم يقولون - أيضاً -: إن اللَّه تعالى قد هدى كل كافر وأعطاه ما يهتدي به، لكنه لم يهتد به، وأنه لم يبق عنده ما يهديه به؛ فعلى هذا القول رحمته لا تتسع لهداية الكافر، فإذن رحمة اللَّه بزعمهم على خلاف ما ذكر اللَّه تعالى ووصفها بالسعة، واللَّه الموفق.

وأما عندنا فهو ما ذكرنا من جمع الكل في ذلك؛ لما ذكرنا أن تلك الرحمة هي الرحمة الدنيوية، أو ما ذكرنا من كون اللطائف عنده من أعطاها اهتدى، واللَّه الموفق.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٨) هذا يخرج على وجوه:

أحدها: أن الوعد كان منه لجملة المؤمنين، فسألوا أن يدخل قوم على الإشارة والتيقين في جملة ذلك الوعد؛ لاحتمال خصوص في الجملة، واللَّه أعلم.

والثاني: سألوه أن يجيبهم على الأسباب والأعمال التي يستوجبون ذلك، واللَّه أعلم.

والثالث: يجوز أن يكون الوعد لهم بشرط الذي سألوه، واللَّه تعالى عالم في الأزل: أنه يوجد ذلك الشرط وهو سؤالهم؛ فيكون لهم ذلك الوعد، ومثل ذلك جائز، قال الله تعالى: (كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا)، إنما يعذبهم بسؤال هَؤُلَاءِ على ذلك كان: إنما تقديره: أنه لا يعذبهم إذا سألوا، وعلم أنهم سألوا؛ وعلى ذلك الحديث الوارد: أن الصدقة تزيد في العمر، جرى تقديره في الأزل أنه يوجد منه الصدقة، فيكون عمره زائدًا؛ على ما لو علم أنه لا يتصدق، وإنما لا يجوز التعليق بالشرط في حق اللَّه تعالى على نحو ما يكون في حق العباد أن يوجد عند وجود الشرط، ولا يوجد عند عدمه، ولا علم لهم بعاقبة ذلك، واللَّه تعالى عالم بالعواقب، فمتى علق بشرط كان ذلك منه في الأزل حكما على أن يوجد مع ذلك الشرط لا محالة، لما علم وجود ذلك الشرط مع علمه أنه لو لم يكن ذلك الشرط كيف كان، واللَّه الموفق.

أما ظاهر الآية أنه إذا وعدها لهم، لأدخلها لا محالة فيها؛ فلا معنى للسؤال في ذلك لما يخرج السؤال في مثله مخرج السؤال في تصديق الوعد والامتناع عن الخلف، ولكن

<<  <  ج: ص:  >  >>