رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (٦٨) أي: أدعوكم إلى وحدانية اللَّه، وعبادته، والتمسك بالدِّين الذي به نجاتكم، وكل من دعا آخر إلى ما به نجاته فهو ناصح له.
ويحتمل قوله: (وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ)، أي: كنت ناصحًا لكم قبل هذا أمينًا فيكم، فكيف تكذبونني وتنسبونني إلى السفه، وأنا أمين على الرسالة والوحي الذي وضع الله عندي؟!
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي): شئتم أو أبيتم.
أو يقول: أبلغكم رسالات ربي خوفتموني أو لم تخوفوني، قبلتم عني أو لم تقبلوا.
أو يقول: أبلغكم رسالات ربي، فكيف تنسبونني إلى السفه والافتراء على اللَّه؟!
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٦٩)
يحتمل قوله: (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ) وجوهًا:
أحدها: أنه جعلكم خلفاء قوم أهلكهم بتكذيبهم الرسل، ولم يهلككم، فاحذروا أنتم هلاككم بتكذيبكم الرسول كما أهلك أُولَئِكَ بتكذيبهم الرسل.
أو أن يقال: جعلكم خلفاء قوم صدقوا رسولًا من البشر وهو نوح، فكيف كذبتموني في دعوى الرسالة لأني بشر ودعائي إلى عبادة اللَّه ووحدانيته؟! هذا تناقض.
والثاني: أن اذكروا نوحًا وهو كان رسولاً من البشر، فكيف تنكرون أن يكون الرسول أبشرًا؛ وكان الرسل جميعًا من البشر.
والثالث: أن اذكروا نعمة اللَّه التي أنعمها عليكم من السعة في المال، والقوة في الأنفس، وحسن الخلقة، والقامة، وكان لعاد ذلك كله؛ كقوله: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (٦) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (٧). . . .). هذا في السعة في المال، وأما القوة في الأنفس والقامة ما ذكر في قوله: (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ) أو قوله: (كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ)، فيه وصف لهم بالقوة، وطول القامة، وعلى ذلك فسر بعض أهل التأويل.
وقوله: (وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً) يعني: قوة وقدرة.
وقال غيره: هو الطول والعظم في الجسم، وذكر اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - في عاد أشياء أربعة خصَّهم بها من بين غيرهم.
أحدها: العظم في النفس؛ كقوله: (وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً).