قد ذكرنا قول الملأ من قومه، أي: أشراف قومه وساد، تهم (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ).
ذكر هاهنا ظنهم في تكذيبهم الرسول، وفي موضع آخر قطعوا في التكذيب وهو قوله:(إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ)، فكان قوله:(وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) في ابتداء ما دعاهم إلى عبادة اللَّه ووحدانيته، كانوا على ظن فيه لما كان عندهم صدوقًا أمينًا قبل دعائهم إلى ما دعاهم، فلما أن أقام عليهم آيات الرسالة والنبوة وأظهر عندهم عيب ما عبدوا غير اللَّه، وأبطله، وتحقق ذلك عندهم - عند ذلك قالوا:(إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ) ليعلم أنهم عن عناد، كذبوا الرسل، فقال:(قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ ... (٦٧) إن الرسل - عليهم السلام - كانوا أمروا أن يعاملوا الخلق بأحسن معاملة، وهو على ما أمر رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ حيث قال له:(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ). وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ)، ونحوه، فعلى ذلك الرسل الذين كانوا من قبل كانوا مأمورين بذلك؛ لذلك قال لهم هود لما تلقوه بالتكذيب والتسفيه قال: ليس بي ما تقولون وتنسبونني إليه، (وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٦٧) أُبَلِّغُكُمْ