وفيه وجه آخر: وهو أن الذي سمعتم منه لو كان سحرًا أو شعرًا أو كهانة أو تقوَّله، لكان لا يمهله اللَّه - تعالى - بل يؤاخذه على المكان من غير أن حجزوا، كما قال:(فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ)، فإمهاله دل على أن الأمر ليس كما قالوا، بل هو تنزيل من رب العالمين.
وقوله:(بِالْيَمِينِ) أي: بالقوة؛ أي: لا يعجزنا عنه شيء، ولا يفوتنا عذابه؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ)، وهو كقوله - تعالى -: (وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ)، أي: لا يعجزنا ما عنده من الشرف والقوة من أن نؤاخذه، وننزل عليه النقمة.
وجائز أن يكون اليمين صلة القول، لا على تحقيق اليد، فذكر اليمين؛ لأن التأديب في الشاهد والأخذ يقع بها، وهو كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ)، فأضاف التقديم إلى اليد، لا على تحقيق اليد؛ إذ يجوز ألا يكون ليديه بما قدم صنع، لكن لما كان التقديم في الشاهد يقع بالأيدي، فذكرت اليدان على ذلك، لا على تحقيق الفعل بهما، فكذلك يجوز أن تكون اليمين ذكرت؛ لما بها يقع الأخذ والتأديب في الشاهد، وإن لم يكن هناك يمين، واللَّه أعلم.
واليمين: القوة، وسمّيت اليمين: يمينًا؛ لأن قدرة الرجل تكون فيها، وسمي ملك الرقاب: ملك يمين؛ لأن ملك اليمين يكتسب بالقهر والغلبة، وإنَّمَا يصل المرء إلى القهر والغلبة بالقوة؛ فسمي: ملك يمين لهذا، لا أن يراد بذكر اليمين تحقيق اليمين؛ إذ اليد لا تملك شيئًا حتى يضاف إليها، فكذلك فيما أضيف من اليمين إِلى اللَّه - تعالى - فالمراد منه القوة.