قال الحسن:(تُجَادِلُ)، أي: تخبر، (عَنْ نَفْسِهَا): عما عملت من خير أو شر.
وقال أبو بكر الأصم: إن كل نفس رهينة بما كسبت من شر حتى يكون طائرًا في عنقه.
ولكن ليس لنا فيما ذكر هَؤُلَاءِ مجادلة، المجادلة: المخاصمة؛ كأنها تخاصم عن نفسها من ارتكاب أشياء، ودعوى أشياء على ما ذكر في غير آية؛ من قوله:(ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ).
وقَالَ بَعْضُهُمْ: إن جهنم تزفر زفرة حتى لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا وقد جثا بركبتيه؛ خوفا منها؛ فعند ذلك تجادل وتخاصم كل نفس عن نفسها، ويشبه أن يكون مجادلتهم على غير هذا، وهو ما ذكر:(شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ)؛ فتلك مجادلتهم أنفسهم، وكقوله:(ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ)، وكذلك ما ذكر في المنافقين:(يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ. . .) الآية.
وذلك كله مجادلتهم أنفسهم، أو أن يقال:(تُجَادِلُ) لكن لا يفسر: ما تلك المجادلة؛ لأن اللَّه - تعالى - ذكر المجادلة، ولم يذكر ما تلك المجادلة؟