والثاني: أنه رسول، وقد كان قبله رسل مع آيات وبراهين، لم يدع أحد لهم الألوهية والربوبية.
والثالث: أنه كان يأكل الطعام، ومن كان تحت غلبة آخر وقهره، لا يكون إلها.
والرابع: من أكل الطعام احتاج أن يدفع عن نفسه الأذى، ويقوم في أخبث مكان، ومن كان هذا أمره لم يكن ربًّا.
وليس في القرآن - واللَّه أعلم - آية أكثر ولا أبين احتجاجًا على النصارى وأُولَئِكَ، ولا أقطع لقولهم من هذه الآية؛ للمعاني التي وصفنا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ): أي: من أين يكذبون.
قال أبو عبيد: (يُؤْفَكُونَ): يصرفون، ويخادعون عن الحق، كل من صرفته عن شيء فقد أفكته. ويقال: أفكت الأرض، إذا صرف عنها القطر.
وقوله: (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ)
قال ابن عَبَّاسٍ - رضي النْه عنه -: (وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) قال: أضلهم، فإذا أضلهم، فقد صرفهم عن الهدى.
قال أَبُو عَوْسَجَةَ: الإفك عندي: الصرف عن الحق، وفي الأصل: الإفك: الكذب.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: (يُؤْفَكُونَ): يصرفون عن الحق ويعدلون.
وقيل: (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) يخدعون بالكذب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا ... (٧٦) إن خالفتموه (وَلَا نَفْعًا) إن أطعتموه.
ويحتمل: قوله: (مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا) إن كان اللَّه أراد بكم نفعًا، ولا نفعًا إن حل بكم الضر، أي: لا يملكون دفعه عنكم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ): لنسبتكم عيسى إليه تعالى، (الْعَلِيمُ)