للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أو يقول: أو لم يروا إلى اللطف الذي جعل في الطير، والحكمة التي أنشأ فيها حتى قدرت على الاستمساك في الهواء، والطيران في الجو: ما لو اجتمع الخلائق جميعًا أن يدركوا ذلك اللطف أو تلك الحكمة - ما قدروا على إدراكه.

وفي ذلك نقض قول المعتزلة؛ لأن الطيران فعل الطير، ثم أضاف ذلك إلى اللَّه حيث قال: (مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ): دل ذلك أن لله في ذلك صنعًا وفعلًا.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).

جميع ما ذكر يكون آية لمن آمن؛ لأنه هو المنتفع.

قال أَبُو عَوْسَجَةَ: لمح البصر: سرعة النظر، وجو السماء: هواؤها، ويقال: بطن السماء، ويقال: جوف السماء، ويقال: الجو: ما اطمأن من الأرض. والأول أشبه.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (٨٠)

ظاهر هذا أنه قد جعل لنا من البيوت -أيضًا- ما ليس بسكن؛ لأنه قال: (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا)، وهو ما ذكر في قوله: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ): وهو كالمساجد والرباطات وغيرها. ويشبه أن يكون ذكر هذا؛ ليعرفوا عظيم مننه ونعمه، حيث جعل الأرض بمحل يقرون عليها ويمكن لهم المقام بها؛ بالرواسى التي ذكر أنه أثبت فيها بعدما كانت تميد بهم ولا تقر بها، أخبر أنه أجعل، فيها رواسى أو أن يكون حرف (من) صلة، أي: جعل لكم بيوتًا تسكنون فيها.

ثم قوله: (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا) يحتمل وجهين:

أحدهما: أي: سخر لكم الأرض حتى قدرتم على اتخاذ المساكن فيها تسمكنون.

أو جعل لكم بيوتًا، أي: علمكم تسكنون فيها.

ثم قوله: (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا): أي أعلمكم، ما تبنون فيها من البيوت

<<  <  ج: ص:  >  >>