أو عالم ما يغيب بعض من بعض، والشهادة ما يشهدون ويظهرون.
أو عالم ما يغيب عن الخلق كيفية لمنافع الأشياء الظاهرة وماهيتها، نحو ما غاب عنهم المعنى المضر المودع في الطعام والشراب والأغذية جميعًا، الذي به حياة أنفسهم وقوامهم، وكذلك السمع والبصر والفهم والعقل: لا بدرك المعنى الذي به يسمع ويبصر ويفهم ويدرك وما به تحيا أنفسهم به، واللَّه أعلم.
وقوله: (الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
العزيز في هذا الموضع: المنتقم من أعدائه، الرحيم على أوليائه.
أو العزيز: الذي لا يعجزه شيء، الرحيم: الذي له رحمة يسع الخلائق في رحمته.
أو العزيز: الذي به يعز من عز، والرحيم: الذي برحمته يرحم من يرحم.
ومنهم من يقول في قوله: (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)، وقوله: (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ)، قال: من منتهى أمره من أسفل الأرضين إلى منتهى أمره فوق السماوات، مقدار ذلك خمسون ألف سنة، ويوم كان مقداره ألف سنة: ذلك نزول الأمر من السماء إلى الأرض ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد، فذلك مقداره ألف سنة.
لكن قوله: من منتهى أمره من أسفل الأرضين إلى أمره فوق السماوات كذا - فاسد؛ لأنه لا يجوز أن يكون لأمره أو لملكه نهاية أو حد، والوجه فيه ما ذكرنا.
وقوله: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ... (٧) بالجزم والتحريك جميعًا، كلاهما لغتان.
ثم يحتمل قوله: (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ) أي: علم كل شيء خلقه: أن كيف يخلق من غير أن يعلمه أحد أو أعانه عليه أحد. وفي الشاهد لا يقدر أحد، ولا يمكن له صنع شيء إلا بمعلم يعلمه ذلك أو بمعين يعين على ذلك، يخبر عن جهلهم وسفههم بتقديرهم قدرة الله وقوته بقوى أنفسهم وقدرتهم في إنكارهم البعث؛ لخروجه عن تقدير الخلق وامتناعه عن وسعهم، يقول: لا تقدروا قدرة اللَّه بقدرة أنفسكم وقواكم، كما لم تقدروا علمه بعلمكم؛ إذ يعلم هو بذاته بلا معلم، وأنتم لا تعلمون إلا بعلم؛ فعلى ذلك هو قادر بذاته لا يعجزه شيء وأنتم لا تقدرون إلا بغير أو بسبب.
ويحتمل هذا الوجه وجهًا آخر، وهو أن قوله: (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ)، أي: أعلم كل شيء من خلقه: ما به مصالحهم وفسادهم، وما يؤتى وما يتقى.
والثاني: (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ)، أي: أحكم كل شيء خلقه وأتقنه.