للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم قوله: (بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا) أي: شبهًا بالخلق، وأنه يخرج على وجهين:

أحدهما: بما جعلوا له ولدًا، والولد هو شبيه الوالد؛ فكان في إثبات الولد إثبات المثل والشبيه.

والثاني: في إثبات الولد له إثبات المشابهة بينه وبين جميع الخلق؛ لأن الخلق لا يخلو إما أن يكون مولودًا من آخر أو يولد آخر منه، وإما أن يكون له شريك فيما يملكه، أو يكون هو شريك غيره، فيكون البعض شبيهًا بالبعض، فمن أثبت لله شريكًا وولدًا فقد جعله شبيهًا بالخلق؛ ولهذا تبرأ اللَّه - تعالى - من الولد والشريك تبرؤًا واحدًا بقوله - تعالى -: (وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ)، نفى الولد والشريك عن نفسه نفيًا واحدًا وبراءة واحدة، واللَّه الموفق.

وقوله: (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ) يحتمل أن يكون تفسيرًا لقوله: (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا)، وعلى ذلك قول أهل التأويل: إنهم جعلوا هذه تفسيرًا للأولى.

وجائز أن يكون لا على التفسير للأولى، ولكن على الابتداء في قوم آخرين سواهم، على ما ذكرنا نحن من التأويل، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (١٨) اختلف فيه:

قَالَ بَعْضُهُمْ: هي الأصنام التي عبدوها، حلّوها وزينوها بأنواع الزينة والحليّ، يقول - واللَّه أعلم -: ولو حلي بالحليّ وزين بالزينة وهو لا يملك نفعًا، ولا ضرًّا، ولا تكلما، ولا خصومة، ولا شيئًا من ذلك، ولا يلتفت إليه، ولا يكترث له، لولا تلك الحلي والزينة التي بها في جعل العبادة له كمن منه خلق ما ذكر من السماوات والأرض وما فيها من المنافع، أي: ليس هذا بسواء لذلك، يذكر سفههم في اختيارهم الأصنام التي هذا وصفها في العبادة على عبادة اللَّه تعالى الذي منه كل شيء؛ يصبر رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - على أذاهم وتكذيبهم إياه وسوء معاملتهم معه، واللَّه أعلم.

وقال بعصهم: قوله: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) وهي الإناث؛ يقول - واللَّه أعلم -: إن الأنثى ضعيفة، قليلة الحيلة، وهي عند الخصومة والمحاورة غير مبينة؛ يصف عجزهن وضعفهن ونقصانهنّ، يقول - واللَّه أعلم -: كيف نسبوا إلى اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - ما هو أضعف وأعجز وأنقص فيما ذكر، وقد اتقوا هم منها، واختاروا لأنفسهم ما هو أكمل وأقوى وهم الذكور، وهو صلة قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>