جاء عصر التابعين، فوجدوا بين أيديهم ميراثًا ضخمًا من التفسير، لكنه ليس شاملاً لكتاب اللَّه تعالى كله، بل هو تفسير لبعض الآيات، كما أنه لم تكن هناك مصنفات كاملة فيه، حيث إنه لم يدون في عهد الصحابة، لقرب العهد برسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ولقلة الاختلاف، وللتمكن من الرجوع إلى الثقات.
ثم لما انقضى عصر الصحابة أو كاد، وصار الأمر إلى تابعيهم، انتشر الإسلام، واتسعت الأمصار، وتفرقت الصحابة في الأقطار، وحدثت الفتن، واختلفت الآراء، وكثرت الفتاوى والرجوع إلى الكبراء، فأخذوا في تدوين الحديث والفقه وعلوم القرآن.
ومعنى هذا أن حركة واسعة لتدوين علوم الإسلام قد بدأت مع عصر التابعين، في أواخر القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني، وقد نال التفسير قسطًا وافرًا من اهتمام التابعين، سواء فيما يتعلق بتدوينه أو تطويره والبلوغ به درجات لم يبلغها من قبل.
ونريد في عجالة أن نستجلي أهم ما قام به التابعون في مجال تفسير القرآن الكريم، ولتحقيق ذلك نقف أمام النقاط الآتية:
أولًا: مصادر التابعين في تفسير القرآن الكريم:
اتبع علماء التابعين سنن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وصحابته الكرام، فصدروا عن طريقتهم في التفسير، فجاءت مصادرهم في التفسير هي المصادر الثلاثة السابقة: تفسير القرآن بالقرآن، وتفسير القرآن بالسنة، وتفسير القرآن بما عند أهل الكتاب مما جاء في كتبهم، ولكنهم زادوا مصادر أخرى: ففسروا القرآن بما رووه عن صحابة رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، ثم توسعوا في الاجتهاد وتفسير القرآن بالرأي عما كان عليه في عهد الصحابة.
يقول الدكتور الذهبي: اعتمد هَؤُلَاءِ المفسرون في فهمهم لكتاب اللَّه تعالى على ما جاء في الكتاب نفسه، وعلى ما رووه عن الصحابة من تفسيرهم أنفسهم، وعلى ما أخذوه من أهل الكتاب مما جاء في كتبهم، وعلى ما يفتح اللَّه به عليهم من طريق الاجتهاد والنظر في كتاب اللَّه تعالى.
وقد روت لنا كتب التفسير كثيرًا من أقوال هَؤُلَاءِ التابعين في التفسير، قالوها بطريق