للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهو ما قالوا: (قُلُوبنُا في أَكِنَّةٍ)، و (قُلُوبُنَا غُلْفٌ)، ونحوه من الخيال؛ فلو جاز صرف هذه الآيات إلى ما ذكروا من الخيال لجاز لغيرهم صرف الكل إلى مثله؛ فهذا بعيد، ولكن عندنا أن إضافة ذلك إلى نفسه تدل على أن له فيه صنعًا وفعلًا، وهو أن يخذلهم باختيار ما اختاروا هم، أو أضاف ذلك إليه؛ لما خلق ظلمة الكفر في قلوبهم، وهذا معروف في الناس: أن من اعتقد الكفر يضيق صدره ويَحْرج قلبه؛ حتى لا يبصر غيره، وهو ليس يعتقد الكفر لئلا يبصر غيره ولا يهتدي إلى غيره، لكن لا يبصر غيره، فيدل هذا أنه يصير كذلك؛ لصنع له فيه. وكذلك من اعتقد الإيمان يبصر بنوره أشياء، وهو ليس يعتقد الإيمان ليبصر بنوره أشياء غابت عنه؛ دل أنه بغيره أدرك ذلك، وكذلك المعروف في الخلق أن من اعتقد عداوة آخر، يضيق صدره بذلك، وكذلك من اعتقد ولاية آخر ينشرح صدره له بأشياء.

فهذا كله يدلّ أن لغيره في ذلك فعلًا، وهو ما ذكرنا من الخذلان والتوفيق، أو خلق ذلك منهم - واللَّه أعلم - فيدخل فيما ذكرنا في قوله: (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً. . .) الآية. وأصله أن ما ذكر من الحجاب والغلاف والأكنة إنما هو على العقوبة لهم لعنادهم ومكابرتهم الحق؛ لأنهم كلما ازدادوا عنادًا وتمردًا ازدادت قلوبهم ظلمة وعمى، وهو ما ذكر في غير آية؛ حيث قال: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ. . .) الآية. وقال: (ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ)، وقال: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ): أخبر أن ما ران على قلوبهم بكسبهم الذي كسبوا، وأزاغ قلوبهم باختيارهم الزيغ، وصرف قلوبهم باختيارهم الانصراف؛ فعلى ذلك ما ذكر من جعل الحجاب والأكنة عليها بما كان منهم، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (٤٦)

قَالَ بَعْضُهُمْ: الشيطان إذا ذُكِرَ اللَّه ولى عنه أوأعرض، وفرَّ منه، وهو ما ذكر: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ. . .) الآية، وقال: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا. . .) الآية.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا): الإنس، أي: ولوا عما دعوهم إليه، وأقبلوا نحو أصنامهم التي عبدوها.

وقوله: (وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ) يحتمل: وإذا ذكرت دلالة وحدانية ربك

<<  <  ج: ص:  >  >>