ووجه هذا: أنهم لما رأوا أنفسهم آمنين بمقامهم عند البيت وفي حرم اللَّه، وأهل سائر البقاع في خوف - ظنوا أن ذلك لهم؛ لفضل كرامتهم ومنزلتهم عند اللَّه؛ فحملهم ذلك على الاستكبار على رسول اللَّه ومن تابعه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ:(مُسْتَكْبِرِينَ)، أي: بالقرآن وتأويله، أي: استكبروا على الله ورسوله لما نزل القرآن، وإضافة الاستكبار إلى القرآن؛ لأنهم بنزوله تكبروا على اللَّه؛ فأضاف استكبارهم إليه؛ لأنه كان سبب تكبرهم، وهو كقوله:(وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ. . . فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ. . .) الآية: أضاف زيادة رجسهم إلى السورة؛ لما بها يزداد رجسهم وكانت سبب رجسهم، وإن كانت لا تزيد رجسًا في الحقيقة.
وقوله:(سَامِرًا تَهْجُرُونَ).
قال الزجاج: السامر: هو ظل القمر، فيه كانوا يهجرون، والسمر: هو حديث بالليل.
قوله:(تَهْجُرُونَ) قال قائلون: تهتدون.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: تهجرون القرآن، أي: كانوا لا يعملون به ولا يعبئون؛ فهو الهجر، وفيه لغة أخرى: تُهْجِرُون، وهو كلام الفحش والفساد.
قيل: أي: في القرآن؛ يحتمل قوله:(أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا) أي: فهلا دبروا ذلك القول الذي يقولون في الآخرة في الدنيا، وهو قولهم:(أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ)، وما ذكر من تضرعهم في الآخرة، وهو قوله:(إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ).
وجائز أن يكون قوله:(أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ)، أي: قد دبروا القول، لكنهم تعاندوا