للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التي أنزل اللَّه؛ ليوافقوه في الإيمان بجميع الكتب، وأُولَئِكَ الكفرة كانوا يؤمنون ببعض الكتب، ويكفرون ببعض.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) ويحتمل وجوهًا:

أحدها: أي: أمرت لأعدل بينكم يحتمل: في الحكم؛ أي: أحكم فيما بينكم بالعدل؛ كقوله - تعالى -: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا).

ويحتمل قوله: (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) في الدعاء إلى توحيد اللَّه ودينه، والعدل في الدعاء، دعاؤهم إلى دينه الذي أمر أن يدعوهم إليه.

وجائز أن يكون قوله: (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) أي: أمرت أن أكون عدلا فيما بينكم؛ أي: يسوي بينهم.

ثم نعت الذي كان يدعوهم إلى توحيده، وهو قوله: (اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ).

وقوله: (لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ) هذا يخرج على وجهين:

أحدهما: على المنابذة؛ كقوله: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)، وإنَّمَا يقال هذا بعدما انتهت الحجج غايتها، والحجاج نهايته، فلم ينجع ذلك فيهم وأيسوا منهم.

والثاني: يقول: إنا لا نؤاخذ بأعمالكم، ولا أنتم تؤاخذون بأعمالنا، (فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ)، ونحوه.

وقوله: (لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ) ويحتمل قوله: (لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ) أي: لا حجة بقيت فيما ادعيت ودعوتكم إليه إلا وقد أقمتها عليكم؛ أي: لم يبق حجة في ذلك وقد أقمتها.

ويحتمل أن يقول: (لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا أي: لا حجة ولا خصومة بيننا بعدما بلغ الأمر ما بلغ.

ثم قال: (اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا) في الآخرة وإليه المصير.

وقوله: (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (١٦)

قَالَ بَعْضُهُمْ: إن أهل الكفر قالوا للمؤمنين: إن دينكم الإسلام إنما كان ما دام مُحَمَّد بين أظهركم وما دام حيَّا، فإذا مات فتصيرون أنتم ومن تبع الإسلام إلى ديننا أو كلام نحوه؛ فنزل لقولهم ذا قوله: (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ).

وقَالَ بَعْضُهُمْ: إن اليهود قدموا على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فقالوا للمؤمنين: إن ديننا أفضل؛ فنزلت الآية فيهم بقولهم هذا: إن ديننا أفضل - لأنه دين الأنبياء - عليهم السلام - فقال: (حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ) أي: هكذا إذا كانوا على دين الأنبياء، وهو الإسلام؛

<<  <  ج: ص:  >  >>