والثاني: إشراك في الفعل؛ أي: وما يؤمن أكثرهم باللَّه إلا وهم عبدوا غيره؛ من الأصنام والأوثان، أو أن يكون (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ) بلسانهم (إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) بقلوبهم أو يقول: وما يؤمن أكثرهم باللَّه في النعمة أنها من اللَّه تعالى؛ إلا وهم مشركون في الشكر له تعالى.
أي: كيف أمنوا أن يأتيهم عذاب اللَّه أو تاتيهم الساعة بغتة؛ وقد سمعوا إتيان العذاب بمن قبلهم وهلاكهم، وقد جاء ما يخوفهم إتيان الساعة؛ وخافوا عنها؛ وإن لم يعلموا بذلك حقيقة؛ لما تركوا العلم بها ترك معاندة ومكابرة؛ لا ترك ما لم يبين لهم؛ ومن لم يأت له التخويف والإعلام.
و (غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ): قال أَبُو عَوْسَجَةَ - رحمه اللَّه -: أي مجللة تغشيهم، ومنه قوله:(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ)، وهو ما يأتيهم العذاب من فوقهم.
وقال غيره: غاشية من عذاب اللَّه: أي عذاب من عذاب اللَّه تعالى؛ وهو كقوله:(وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ)؛ يجب أن يكون أهل الإسلام معتبرين بقوله:(وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا)، وكذلك بقوله:(أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً) وإن كانت الآيتان نزلتا فيهم؛ لأنهم يمرون بما ذكر من الآيات ولا يعتبرون بما ذكر، وكذلك يكون آمنين عن غاشية من عذاب اللَّه تعالى.