لا يقصد أحد مخادعة اللَّه، لكنهم كانوا يقصدون مخادعة المؤمنين، وأَولياءِ اللَّه، فأَضاف اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ذلك إلى نفسه؛ لعِظم قدرهم، وارتفاع منزلتهم عند اللَّه؛ وهو كقوله:(إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ)، واللَّه لا يحتاج أَن ينصر، ولكن كأَنه قال: إن تنصروا أولياء اللَّه ينصركم؛ وهو كقوله:(إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ) واللَّه لا يُبايَع، ولكن إضافة ذلك إلى نفسه؛ لعظم قدر نبيه، وعلو منزلته عند اللَّه تعالى، فكذلك الأول أَضاف مخادعتهم أَولياءَه إلى نفسه لعلو منزلتهم عند الله وقدرهم لديه.
والمخادعة هو فعل اثنين؛ لخداع هَؤُلَاءِِ بحضور المؤمنين؛ لذلك المعنى ذكر المفاعلة. واللَّه أعلم.
وقوله:(وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ).
الأول: أي حاصل خداعهم، ووباله يرجع إليهم.
والثاني: أنهم يُظهرون لهم الموافقة ليأْمنوا، فلحقهم خوف دائم بذلك الخداع في الدنيا.
وقوله:(وَمَا يشعُرُونَ).
الأَول: أي: ما يشعرون أَن حاصل الخداع يرجع إليهم في الآخرة.
والثاني: ما يشعرون أَن اللَّه يظهر، ويطلع نبيه على ما أَضمروا هم في قلوبهم، والله أعلم.
وقوله:(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ (١٠)
يقال: شكٌ ونفاق؛ سَمَّى عَزَّ وَجَلَّ المنافقين مرضى؛ لاضطرابهم في الدِّين؛ لأَنهم كانوا يظهرون الموافقة للمؤمنين بالقول، ويضمرون الخلاف لهم بالقلب؛ فكان حالهم كحال المريض الذي هو مضطرب بين الموت والحياة؛ إذ المريض يشرف - ربما - على الموت، ويرجو الإقبال عليه منه ثانيًا؛ فهو مضطرب بين ذلك، فكذلك هم، لما كانوا مضطربين في دينهم سماهم مرضى.