واعلموا أنه لا يفلح الكافرون، لكن اللَّه يبسط الرزق لمن يشاء، ولكنه لا يفلح الكافرون.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: ألم تر أن اللَّه يبسط الرزق، وألم تر أنه لا يفلح كذا.
وقال الزجاج:" وي " مقطوعة من (كأن) وهو حرف يفتتح به التندم، ثم ابتدأ بقوله: كأنه لا يفلح الكافرون.
ثم في الآية دلالة نقض قول المعتزلة في وجوب الأصلح على اللَّه؛ لأنهم ذكروا مِنَّة اللَّه في منعه إياهم ما تمنوا بالأمس مما أوتي قارون، فلو كان ما أعطي قارون أصلح له في دينه لم يكن في منعه عن هَؤُلَاءِ منة؛ دل أن ما أعطى قارون لم يكن أصلح له، بل المنع أصلح له، وأن ليس على اللَّه حفظ الأصلح للعباد في الدِّين.
وقوله:(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣) في ظاهرها: أن كل من لا يريد العلو في هذه الدنيا ولا الفساد فيها يكون من أهل نعمة اللَّه، وكذلك ما ذكر من الدار الآخرة، وجهنم هي من دار الآخرة أيضًا، لكن الآية تخرج على وجهين:
أحدهما: كأنها نزلت في رؤساء الكفرة وكبرائهم من الذين كانت همتهم في التكبر والتجبر على الرسل، والفساد فيها، في صرف الناس عن دين اللَّه واتباع الرسل، فقال - واللَّه أعلم -: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ) - أي: الجنة - ليست لهَؤُلَاءِ، ولكن لمن تواضع للرسل، ودعا الناس إلى دين اللَّه واتباع الرسل.
والثاني: تكون الآية في الذين كانوا يعملون بالخيرات والطاعات منهم في نحو صلة الأرحام والصدقة على الفقراء والإنفاق في ذلك، فأخبر أنهم وإن كانوا يعملون بتلك الأعمال فإنما يعملون للدنيا والعلو فيها لا للآخرة، فتلك الدار الآخرة ليست لهم، إنما هي للذين يعملون ويريدون بها الدار الآخرة.
وقوله:(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ): كأنه يقول: تلك الدار التي دعوا إليها ليست لمن ذكر، وهي الدار التي قال اللَّه فيها:(وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ)، فالدار الآخرة هي الدار التي دعوا إليها وهي الجنة؛ الدار الآخرة على الإطلاق: الجنة؛ كالكتاب المطلق كتاب اللَّه، والدِّين المطلق: دين اللَّه، ونحوه.
وقوله:(وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) أي: تلك الدار الآخرة للمتقين.
وقوله:(مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا ... (٨٤) يخرج على وجوه: