أحدهما: يقول - واللَّه أعلم -: (يَا عِبَادِيَ) الذين جنوا على أنفسهم، وأوردوها المهالك بارتكاب ما ارتكبوا من الإسراف والكبائر (لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ)؛ فإن قنوطكم من رحمة اللَّه وإياسكم منه لا يغفر ولا يجاوز وذلك أعظم وأفظع؛ إذ رجع أحدهما إلى أنفسهم والآخر إلى رحمة اللَّه وفضله.
والثاني: يقول: إنكم وإن أسرفتم فيما ارتكبتم من الكبائر والفواحش، وأعرضتم عن أمر اللَّه فلا تقنطوا من رحمة اللَّه بعد إذ تبتم عما كنتم فيه، ورجعتم عما كان منكم وأما في الوقت الذي خرجت أنفسكم من أيديكم؛ فلا يقبل ذلك منكم، وهو وقت نزول العذاب بهم وإشرافه عليهم؛ لأن التوبة في ذلك الوقت توبة اضطرار وتوبة دفع العذاب عن أنفسكم؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)، ثم أخبر أنه لا ينفعهم الإيمان في ذلك الوقت الذي خرجت أنفسهم من أيديهم؛ حيث قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا)، واللَّه أعلم.
وذكر عن علي بن أبي طالب - كرم اللَّه وجهه - أنه قال: أرجى آية في القرآن هذه الآية، وذكر أن سورة الزمر كلها نزلت بمكة إلا هذه الآية؛ فإنها نزلت بالمدينة، والله أعلم.
كأنها صلة ما تقدم من قوله:(يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) بعد إذ أقبلتم إلى قبول ما دعيتم إليه ورجعتم عما كان منكم، ثم قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ):
قَالَ بَعْضُهُمْ: أنيبوا بقلوبكم إلى طاعة ربكم، وأخلصوا له تلك الطاعة، ولا تشركوا فيها غيره.