أن قد علموا أن اللَّه يعلم سرهم ونجواهم؛ لكثرة ما يطلع رسوله على ما أسروا من الخلاف له وذكرهم السوء في رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
والثاني: ألم يعلموا أي: الذين نافقوا أن يعلموا أن اللَّه يعلم سرهم ونجواهم، فيطلع رسوله على سرهم ونجواهم فيتركوا الطعن في رسول اللَّه، وذِكْرِ ذلك والخلاف له.
وقوله:(وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ).
أي: علام بالغيوب التي غابت عن الخلق، وإلا ليس شيء يغيب عنه، ما غاب عن الخلق وما لم يغب عنده بمحل واحد. أو (عَلَّامُ الْغُيُوبِ)، أي: علام بما يكون أبدًا في جميع الأوقات التي تكون. وفيه دلالة أنه عالمًا بما في الضمائر والسرائر وما كان غائبًا عن الخلق والغيب: هو ما علم أنه يكون له أنه كان ولم يزل عالمًا؛ لما ذكرنا.
يشبه أن تكون الآية صلة قوله:(وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ) إلى قوله: (وَتَوَلَّوْا).
إن أهل النفاق كانوا أهل بخل لا ينفقون إلا مراءاة وسمعة، فظنوا بمن أنفق من المسلمين وتصدق ظنًّا بأنفسهم، فقالوا: إنهم أنفقوا وتصدقوا مراءاة وسمعة.
وقد ذكر في بعض القصة أن عبد الرحمن بن عوف أتى بنصف ماله في غزوة تبوك يتقرب به إلى اللَّه، وقال: يا نبي اللَّه، هذا نصف مالي أتيتك به، وتركت نصفه لعيالي، فدعا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أن يبارك له فيما أعطى وفيما أمسك، فلمزه المنافقون وقالوا: ما أعطى إلا رياء وسمْعة. وجاء رجل آخر من فقراء المسلمين بصاع من تمر فنثره في تمر الصدقة، فقال له نبي اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - خيرًا ودعا له، فقال المنافقون: إن اللَّه لغني عن صاع هذا، فذلك لمزهم.