للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا).

أي: ما زادهم إلا إيمانًا ما رأوا وعاينوا، فيما وعد وأخبر، إلا إيمانًا وتصديقًا لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في وعده وخبره.

وقال قائلون: إن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قد وعد لهم وأخبر: أن يوم الخندق تكون من الأحزاب كذا والجنود كذا، وإنكم ستلقون يومئذ كذا، فلما رأوا ذلك وعاينوه قالوا عند ذلك: (هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا) وتصديقًا لرسول اللَّه؛ لأن ذلك آية وحجة لرسالته؛ فهو يزيدهم تصديقًا له.

وقوله: (وَتَسْلِيمًا)، أي: تسليمًا لأمر اللَّه وتفويضًا له.

وقيل: وما زادهم بما أصابهم يوم الخندق إلا إيمانًا وتصديقًا إلى تصديقهم الأول، ويقينا إلى يقينهم الأول، وتسليمًا لأمر اللَّه؛ لأن ذلك الأمر كان قضي عليهم أن يصيبهم، فسلموا لله أمره؛ فصبروا عليه، وأصله ما ذكرنا، واللَّه أعلم.

وقوله: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (٢٣)

قوله: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) يخرج على وجهين:

أحدهما: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) - الذين هم عندكم مؤمنون - (رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)، ورجال لم يصدقوا وهم المنافقون؛ لأن ظاهر هذا الكلام يدل على أن من المؤمنين الذين هم في الظاهر عندهم مؤمنون لم يصدقوا، فأما من كان في الحقيقة مؤمنًا فقد صدق عهده.

والثاني: ذكر (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)؛ خص بعض المؤمنين بصدق ما عاهدوا وهم الذين خرجوا لذلك: لم يكن بهم عذر فوفوا ذلك العهد؛ وتخلف بعض من المؤمنين؛ للعذر؛ فلم يتهيأ لهم وفاء ذلك العهد لهم وصدقه؛ وكذلك يخرج قوله: (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ)، أي: وفَّى بعهده. (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ).

بالوفاء أن يرتفع عنه العذر؛ فبقي ذلك، واللَّه أعلم.

ثم قوله: (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ): وفاءه.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ)، أي: هلك عليه، (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) ذلك، أي على شرف الهلاك.

وقوله: (وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).

<<  <  ج: ص:  >  >>