للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مؤمنين بواحد مما ذكرنا، فكيف جعلتم منه حرامًا وحلالا وأنتم لا تؤمنون بما به يعرف الحلال من الحرام، فكيف حرمتم ما أحل لكم أو أحللتم ما حرم عليكم؟! يخبر عن سفههم وعنادهم وافترائهم على اللَّه، فإذا اجترءوا أن يفتروا على اللَّه فعلى غيره أجرأ، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (٦٠) فإن قيل كيف أوعدوا بيوم القيامة وهم كانوا لا يؤمنون بالبعث؟! قيل: قد ألزمهم الحجة بكون البعث بما أظهر من كذبهم وافترائهم على اللَّه في التحريم والتحليل، فذلك يظهر كذبهم بتكذيبهم البعث.

وبعد فإنه قد يوعد المرء بما لا يتيقن به ويتخوف عليه ويحذر وإن لم يحط علمه به، فكذلك هذا.

وبعد فإنه قد جعل في عقولهم ما يلزمهم الإيمان بالبعث والجزاء للأعمال؛ إذ ليس من الحكمة خلق الخلق للفناء خاصة.

ويحتمل وجهًا آخر: وهو أن يقول: وما ظن الذين يفترون على اللَّه الكذب لو خرج الأمر حقا، وكان صدقًا على ما أخبر رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وقاله من البعث والجزاء لما اكتسبو!؟!

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ): هو ذو فضل على جميع الناس من جهة ما ساق إلى الكل من الرزق كافرهم ومؤمنهم وأنواع النعم، وما أخر عنهم العذاب إلى وقت، أو لما بعث إليهم الرسل والكتب من غير أن كان منهم إلى اللَّه سابقة صنع يستوجبون به ذلك ومنه خصوص فضل على المؤمنين ليس ذلك على الكافرين، ولكن أكثرهم لا يشكرون لفضله وما أنعم عليهم.

* * *

قوله تعالى: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٦١) أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٤) وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٥)

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ) قَالَ بَعْضُهُمْ من أهل التأويل: في شأن: في

<<  <  ج: ص:  >  >>