للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والتعظيم له في قلبه وجميع جوارحه، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) والتسبيح، أجمع أهل التأويل أن قوله - تعالى -: (وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً) راجع إلى اللَّه - تعالى - وكذلك ذكر في بعض القراءة (ويسبحون اللَّه بكرة وأصيلا)، والتسبيح هو التنزيه في الأفعال والأقوال، فجائز نسبة ذلك إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنه كان [بريئًا] من العيوب في أفعاله وأقواله لا يدخل في أفعاله وأقواله عيب، وإن كان هو تنزيهًا عن الحدثية، والفناء، وآفات كل في نفسه، فذلك لا يجوز إضافته ونسبته إلا إلى اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - فأما غيره لا يجوز إضافة ذلك إليه.

وأصله ما ذكر أهل التأويل من صرفه إلى اللَّه تعالى.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بُكْرَةً وَأَصِيلًا) صرف أهل التأويل البكرة إلى صلاة الفجر، والأصيل إلى صلاة المغرب والعشاء، ولكن جائز أن تكون البكرة كناية عن النهار، والأصيل كناية وعبارة عن الليل، فكأنه يقول: سبحوه بالليل والنهار جملة في كل وقت، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (١٠) أجمع أهل التأويل أو عامتهم على أن المبايعة المذكورة في هذه الآية هي البيعة التي كانت بالحديبية، بايعوه على ألا يفروا إذا لقوا عدوا.

قال معقل بن يسار: " لقد رأيتني يوم الشجرة والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يبايع الناس، وأنا رافع غصنًا من أغصانها عن رأسه، ونحن أربع عشرة مائة؛ أي: ألف وأربعمائة نفر، وقال: لم نبايعه على الموت، ولكن بايعناه على ألا نفر ".

وجائز أن تكون المبايعة على ألا يفروا كما ذكر في آية أخرى: (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ)، والمبايعة هي المعاهدة؛ ألا ترى أنه قال في آية أخرى: (وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ) ذكر في أول الآية المبايعة، وفي آخرها المعاهدة؛ ليعلم أن المبايعة والمعاهدة سواء، واللَّه أعلم.

ثم إضافة مبايعتهم رسوله إلى نفسه يحتمل وجهين:

أحدهما: لما بأمره يبايعونه.

أو ذكر ونسب إلى نفسه؛ لعظيم قدره، وجليل منزلته عنده، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) قَالَ بَعْضُهُمْ: يد اللَّه في جزاء المبايعة فوق أيديهم في المبايعة؛ أو كلام نحوه.

وجائز أن يكون قوله (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) أي: يد اللَّه في الجزاء إذا وفوا بالعهد فوق

<<  <  ج: ص:  >  >>