وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ)، وذلك أنهم كانوا عاهدوا الرسول على عهدهم بمكة على العقبة بمنى، واشترط عليهم لربه ولنفسه: أما لربِّه: أن يعبدوه وألا يشركوا به شيئًا، واشترط لنفسه أن ينصروه ويعزروه ويعينوه ويمنعوه ما يمنعون منه أنفسهم ونساءهم وأولادهم؛ فقالوا: فإذا فعلنا ذلك؛ فما لنا يا نبي اللَّه؟ قال: لكم النصر في الدنيا، والجنة في الآخرة؛ قالوا: قد فعلنا؛ فذلك قوله: (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ) ليلة العقبة حين شرطوا للنبي المنعة: ألا يولوا الأدبار منهزمين.
(وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا).
أي: يسأل من نقض العهد في الآخرة ومن وفي.
وجائز أن يكون قوله: (وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا) مجزيا نقضًا أو وفاءً، يجزون على وفاء العهد ونقضه.
وقوله: (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٦)
قال أهل التأويل: إن قضي عليكم الموت أو القتل؛ فلن ينفعكم الفرار.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: إن جعل انقضاء آجالكم الموت أو القتل لن ينفعكم الفرار؛ بل تنقضي.
وأصله: إن كان المكتوب عليكم الموت أو القتل لن ينفعكم الفرار منه؛ بل يأتي لا محالة؛ كقوله: (لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ) الآية.
أي: لا محالة المكتوب عليهم القتل - وإن كانوا في بيوتهم - لبرزوا؛ فيقتلون.
(وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا).
قَالَ بَعْضُهُمْ: إنما الدنيا قليل إلى آجالكم.
وجائز أن يكون معناه: ولئن نفعكم الفرار عنه (لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا)؛ كقوله: (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ) الآية.
قال أَبُو عَوْسَجَةَ والْقُتَبِيّ: أدعياءكم: من تبنيتموه واتخذتموه ولدا، ما جعلتم بمنزلة الصلب وكانوا يورثون من ادعوا.
(ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ).
إن قولكم على التشبيه والمجاز، ليس على التحقيق.