للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويحتمل في الآخرة؛ كقوله - تعالى -: (فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩)، فهذا - واللَّه أعلم - لأن كلّا منهم كان يقبح الشيطان ويأنف عنه، ويحشن الملائكة ويحمدهم، حتى ضرب مثل القبح من الأشياء بالشياطين؛ كقوله: (طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ)، وضرب مثل الحسن بالملائكة، وذلك لمعرفتهم بقبح الشياطين وحسن الملائكة؛ وذلك إنما عرفوا بالخبر؛ لأنهم لم يعاينوا ملكا عرفوا حسنه بالمعاينة، ولا شاهدوا شيطانًا عرفوا قبحه بالمشاهدة، ولكنهم عرفوا ذلك بالخبر؛ ففيه دليل إثبات النبوة؛ لأنهم ما عرفوا ذلك إلا بهم، دل استقباح الجميع الشياطين واستنكارهم، واستحسانهم الملائكة واستعظامهم من غير أن شهدوا من أحد من الفريقين - على قبول الأخبار؛ إذ عن الألسن نطقوا به؛ وعلى إثبات الرسالة؛ إذ هم جاءوا بالآثار عمن شهدهم وأنشأهم، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ... (٣٩) هذا - واللَّه أعلم - صلة قوله: (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) وفمعنى قوله: فماذا عليهم لو آمنوا باللَّه واليوم الآخر - واللَّه أعلم - وذلك أنهم كانوا ينفقون مراءاة طلب الرياسة وإبقائها؛ فقال: لو آمنوا باللَّه واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم اللَّه تبقى لهم تلك الرياسة، ويكون لهم الذكر؛ بل لو آمنوا كان ذلك في الإيمان أكثر ذكرًا، وأعظم قدرًا ومنزلة؛ ألا ترى أنه من أسلم منهم من الأئمة من نحو ابن سلام وغيره كان لهم ذكر في الإسلام وبعد موتهم من غير حاجة وقعت بهم إليهم في حق شرائع الإسلام، ومن مات منهم على الكفر لم يذكر أبدًا، فأخبر اللَّه - سبحانه وتعالى - أن ليس في الإيمان باللَّه واتباع مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ذهاب شيء مما يخافون ذهابه من الرياسة والمنافع التي يطمعون في وصولها إليهم، وغير ذلك؛ حيث قالوا: (إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا)، فقال: (وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي: لم يكن مما خافوا باتباع الهدى قليلًا ولا كثيرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>