للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويحتمل المواعيد التي في القرآن من وقائع تكون عليهم، وكأن في ذلك شفاء للمؤمنين، كقوله: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ. . .) الآية.

أو نقول بأنه يجوز (نفعل) بمعنى (فعلنا)، وذلك كثير في القرآن.

ثم قوله: (مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)، أي: شفاء للمستشفين في الدنيا، ورحمة لمن تمسك به في الآخرة، فيه شفاء لمن استشفاه في الدنيا، ورحمة في الآخرة لمن تمسك به، وعمى وخسار وظلمة لمن أعرض عنه، ونظر إليه بعين الاستخقاف والاستهزاء والاستثقال، وأما من نظر إليه بعين التعظيم والإجلال فهو له شفاء ورحمة وإن كان القرآن تفسه شفاء ونورًا، وهكذا في الشاهد أن من أبصر شيئًا إنما يبصر بنور البصر وبنور الهواء بارتفاع ما يستر النورين جميعًا؛ لأنه إذا كان عمى البصر لم يبصر شيئًا، وإن كان نور الهواء متجليًا وكذلك لا يبصر إذا كان نور البصر متجليًا، بعد أن سترت الظلمة نور الهواء.

فإن كان ما ذكرنا أنه لا يبصر في الشاهد شيئًا إلا بنورين: نور البصر، ونور الهواء، فالكافر لم يبصر نور القرآن وشفاءه؛ لما سترت الظلمة نور قلبه، والمؤمن أبصر نوره وشفاءه بنور إيمانه، وهكذا الأدوية؛ فإنها لا تجدي نفعًا وإن كانت نافعة شافية في أنفسها إلا بقبول الطبيعة؛ لأن الطبع إذا لم يقبلها وإن كانت نافعة شافية - لم تنفع صاحبها، ولم تكن له شفاء، وصارت كأنها في الأصل كانت ضارة غير شافية؛ فعلى ذلك القرآن - وإن كان في نفسه شفاء ونورًا - ضار للكافر عمى وخسارًا، كأن لا شفاء فيه ولا رحمة لما سترت ظلمة الكفر نوره فصار كالزائد رجسًا وطغيانًا ونفورًا، وهو ما قال: (وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا)، واللَّه أعلم.

* * *

قوله تعالى: (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (٨٣) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (٨٤) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (٨٥) وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (٨٦) إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (٨٧) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (٨٩)

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ):

<<  <  ج: ص:  >  >>